الأربعاء، 19 يناير 2011

إذا الشعب يوما أراد الحياة


إذا الشعب يوما أراد الحياة

إذا الشعب يوما أراد الحياة  فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي   ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة   تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات  وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض لما سالت: يا أم هل تكرهين البشر ؟
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش ، عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة ويحتقر الميت مهما كبر
وقال لي الغاب في رقة محببة مثل خفق الوتر
يجيء الشتاء شتاء الضباب شتاء الثلوج شتاء المطر
فينطفئ السحر سحر الغصون وسحر الزهور وسحر الثمر
وسحر السماء الشجي الوديع وسحر المروج الشهي العطر
وتهوي الغصون وأوراقها وأزهار عهد حبيب نضر
ويفنى الجميع كحلم بديع تألق في مهجة واندثر
وتبقى الغصون التي حملت ذخيرة عمر جميل عبر
معانقة وهي تحت الضباب وتحت الثلوج وتحت المدر
لطيف الحياة الذي لا يمل وقلب الربيع الشذي النضر
وحالمة بأغاني الطيور وعطر الزهور وطعم المطر

أبو القاسم الشابى

الاثنين، 17 يناير 2011

وظائف الرعاة


وظائف الرعاة  ..  بقلم: د. حسن المرسي
الإسلام دين النظام فقد جاء ليحكم الحياة من جميع نواحيها، وهو كذلك دين التناسق الذي جاء ليهتم بجوانب الحياة باعتدالٍ لا يزيد في جانبٍ على حساب آخر، وهو دين الشمول؛ حيث غطى الحياة كلها برحمته وتوازنه ونظامه ودقته فلم يترك شاردة ولا واردة إلا وله فيها قول وأمر ونهي. 
ومن كمال نظام الإسلام وتمام تناسقه وعظمة شموله أنه لم يجعل مجموعة من البشر تعيش بلا أمير يرعاهم وينظم شئونهم وتحتكم إليه في أمور دنياهم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا نزلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه..".
 ذلك لنعلم أن الإسلام لا يقر الفوضى، ولا يدع الأمة المسلمة بدون إمام، يقول الإمام أبو حامد الغزالي: "اعلم أن الشريعة أصل والملك حارس، وما لا أصلَ له فهو مهدوم وما لا حارسَ له فضائع"، فالحاكم أو الأمير أو الوالي أو السلطان أو الرئيس أو الملك، هو مسئولٌ بين يدي الله تعالى، وهو أجيرٌ عند الناس وعامل لديهم؛ لذلك فإن الإسلامَ أوجب للأمة أميرًا أو حاكمًا، وأوجب وأوضح مع ذلك وظيفته ومهمته.
ومن أبرز وأوضح هذه الوظائف والمهام للراعي على سبيل الإجمال ما يقوله الحسن البصري:
 "الحاكم كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع، ويكنها عن الحر والبرد، وهو كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغارًا، ويعلمهم كبارًا، ويكسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته، وهو كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرهًا ووضعته كرهًا وربته كرهًا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارةً وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته، وهو وصي الأيتام.. وخازن المساكين.. يربي صغيرهم، ويعطي كبيرهم، وهو كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده".
 وعلى سبيل التفصيل مهمة الراعي ووظيفته كالآتي:
1- قضاء حوائج الرعية وعدم الاحتجاب دونهم: عن أبي مريم الأزدي- رضي الله عنه- أنه قال لمعاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن ولاه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم.. احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة"، فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس، فلا أبراج عاجية ولا حواجز ولا فواصل، وإنما اقترب من الرعية وحياتهم ومشاكلهم. 
2- النصح للرعية: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى سائل كل راعٍ عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيَّع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".
 عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: "اللهم مَن ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به"، وعن أبي يعلي معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة"، وفي رواية "فلم يحطها نصحًا لم يجد رائحة الجنة" (متفق عليه)
 لذلك قال عمر بن الخطاب حين ولي الخلافة: "أيها الناس.. قد وليتُ عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم وأشدكم اضطلاعًا بما ينوب من مهمة أموركم ما تولينا ذلك منكم".
 3- خطورة غش الراعي لرعيته: يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يسترعي الله تبارك وتعالى عبدًا رعيةً فيموت يوم يموت وهو لها غاشٌّ إلا حرَّم الله عليه الجنة"، وفي رواية "فهو في النار" (رواه البخاري ومسلم).
فما أشد أن يغش الراعي ويفسد ويدلس ويزور.. فما دخل الغش في أمرٍ إلا أفسده حتى تفسد الحياة كلها.
4- يقوم بحق الأمانة: عن بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، والإمام راعٍ ومسئول عن رعيته.." (متفق عليه).
 5- العدل بين الرعية: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله.. إمام عادل.."، وإن الأمةَ لا تحتاج إلى شيء من الأخلاق أفضل وأكبر من احتياجها إلى العدل فبه تحيا الأمة وتشرق الأيام ويعلو الحق ويزهق الباطل.
جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: "لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان؛ لأن بصلاحه صلاح الأمة"، ويقول سفيان الثوري: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة، وإذا فسدا فسدت الأمة.. السلطان والعلماء"، ويقول الحسن البصري عن الإمام العادل: "الإمام العادل: قوام كل مائل، وقصد كل حائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، وهو كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده".
أبشر أيها الإمام العادل: فلكل إمام وحاكم وسلطان عادل أن يستبشر بكلام خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم"، وعن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحدٌّ يُقام في الأرض بحقِّه أزكي فيها من مطر أربعين صباحًا"
 نماذج من الشفقة بالرعية والعدل بينهم:-
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعدل ويطلب العدل حتى في الأب الذي يعطي العطية لأولاده.. لما رأى رجلاً يعطي أحد أولاده فقال: "هل أعطيت كل أولادك؟"، وعدل حتى في العواطف والمشاعر؛ فالقُبلة للولد لا بد أن يتساوى معه باقي الأولاد.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في العدل.. عندما وقف يصف الصفوف في بداية معركة بدر وضرب بعصا صغيرة كانت معه بطن الصحابي "سواد" فقال "سواد": أوجعتني يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: "هذه بطني فلتقتص مني.."، وكان منه ما كان.
الخلفاء والصحابة:
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتحسس فيسمع صوت أنين امرأة ومعها رجل فسأل فقال زوجها: هي في المخاض وليس عندها أحد يصلح شانها.. فيذهب عمر- رضي الله عنه- إلى زوجته (أم كلثوم) لتكون بجوارها، ويوقد عمر النار وينفخ فيها ليجهز للمرأة طعامًا وماءً حتى يتخلل الدخان لحيته رضي الله عنه.
- غضب عثمان بن عفان على غلامٍ عنده ففرك أذنه بأصبعيه فتألَّم الغلام فتذكر عثمان قصاص الآخرة فنادى عليه عثمان وجلس بين يديه وألحَّ عليه أن يقتص منه فكبر ذلك على الغلام فعزم عليه عثمان (أمره) فاضطر الغلام على كُرهٍ منه تنفيذ أمر الأمير.. فأمسك الغلام بإذن أمير المؤمنين عثمان وشدَّ عليه بإصبعيه، وأمر عثمانُ أن يشدَّ أكثر وأكثر على أذنه قائلاً له: "إن قصاصَ الدنيا أهون من قصاص الآخرة".
- يقول جرير بن عبد الله البجلي أن رجلاً كان مع أبي موسى الأشعري، وكان ذا صوت ونكاية في العدد (أي كان قويًّا شجاعًا)، فغنموا مغنمًا (أبو موسى والرجل) فأعطاه أبو موسى بعض سهمه ولم يُوفِّه حقه، فأبى الرجل أن يقبل حقه منقوصًا.. فجلده أبو موسى، وحلق شعره، فجمع الرجل شعره وذهب إلى عمر بن الخطاب ثم ضرب بشعره صدر عمر وقال: "أما والله لولا النار لصنعتُ بعاملك ما صنعت".. ثم حكى له ما صنع أبو موسى.. فكتب عمر إلى أبي موسى أن يُمكِّن الرجل من أن يقتصَّ منه إذا كان ما حدث صحيحًا.. فقدم الرجل بكتاب عمر.. فقال له الناس: اعفُ عنه. فقال: لا والله لا أدعه لأحدٍ من الناس.. فلما قعد أبو موسى ليقتص الرجل منه رفع الرجل رأسه إلى السماء ثم قال: "اللهم إني قد عفوت عنه"، لتتعلم الدنيا كلها من العدل.. وكيف يكون الحكم.
- وما قصة ابن عمرو بن العاص الذي سبقه القبطي منا ببعيد، وذهب القبطي لعمر.. ورد إليه اعتباره وقال له: "اضرب بن الأكرمين" لتعلم الدنيا أيضًا.
- وهذا اليهودي الذي هزَّ جميعَ أركانه عدلُ القاضي شريح، عندما حكم له ضد علي بن أبي طالب في الدرع، إلى غير ذلك من نماذج نحتاجها في عالمنا حتى يعم العدل وتنعم البشرية ويسود الحب وتتقدم البلاد ويسعد العباد.. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51).


الشهيد الحى الاستاذ سيد قطب


الشهيد الحى الاستاذ سيد قطب
من كلماته الخالده
(ان هذا القران لا يعطى سره الا للذين يخوضون به المعارك ويجاهدون به جهادا كبيرا)
(ان الكلمات التى ولدت فى الافواه وقذفت بها الالسنه ولم تتصل بالنبع الالهى الحى قد ولدت ميته)
(ان كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى اذا متنا فى سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياه)
(ان دعوة الاخوان دعوه مجرده من التعصب وان الذين يقاومونها هم المتعصبون او هم الجهلاء الذين لا يعرفون ماذا يقولون)
(ان الحقيقه الكبرى لحسن البنا هو البناء واحسان البناء بل عبقرية البناء)
قالوا عن الشهيد سيد قطب:
1- الاستاذ عمر التلمسانى:المرشد العام الثالث للاخوان المسلمين عليه رحمة الله
(ان الذين يعرفون الشهيد سيد قطب ودماثة خلقه وجمة ادبه وتواضعه ورقة مشاعره يعرفون انه لا يكفر احدا انه داعيه اسلامى من عيون دعاة المسلمين ظلمه من اخذ كلامه على غير مقاصده ومن هاجموه متجنين لما راوا من عميق تاثير كلماته وكتاباته على الشباب الطاهر)
2-  الاستاذ محمد قطب اخو الشهيد
(اننى متاكد كاملا ان شاء الله من انه ليس فى كتابات سيد قطب ما يخالف الكتاب والسنه اللذين قامت عليها دعوة الاخوان المسلمين وتاكدى الكامل من انه ليس فى هذه الكتابات ما يخالف افكار واقوال الشهيد البنا مؤسس الجماعه)
3-  الاستاذ المستشار حسن الهضيبى المرشد العام الثانى لجماعه الاخوان المسلمين
(ان سيد قطب هو الامل المرتجى لهذه الدعوه ان شاء الله )
4-  شهادة العالم الجليل الاستاذ ابو الحسن الندوى
(ان سيد قطب من اولئك الافذاذ الذين يسعد بهم العالم الاسلامى وهو من الطراز الاول من صفوة الدعاه وهو رجل الفكر والادب الذين تحظى بهم الامم بعد فترات طويله)
5-  الاستاذ مهدى عاكف المرشد العام للاخوان المسلمين السابع
(الشهيد سيد قطب كان مفكرا او عالما واديبا وهؤلاء الذين يتحاملون على الشهيد لم يعرفوا مقصده مما قال ولا الظرف الذى قيل فيه هذا الكلام)
6-  مدير سجن طره
(المدير الفعلى للسجن هو سيد قطب وليس انا لانه موضع احترام السجانين والمسجونين جميعا)
مولده ونشاته:
ولد صاحب الظلال سيد قطب  ابراهيم فى قريه موشه التابعه لمحافظه اسيوط فى صعيد مصر عام 1324ه الموافق 9-10- 1906(وهو اخ لاربعه من الاخوه وهم نفيسه الكبرى 1903 وهى ام للشهيد رفعت بكر والمسجون عزمى بكر واعتقلت معهم لمده سته اشهر وامينه قطب وهى التى تصغره وهى شاعره وتزوجت الشهيد محمد كمال السنانيرى خطبها وهو فى السجن سنه 1954 وانتظرته حتى 1975 وعاشت معه سته سنوات ثم لاقى ربه شهيدا 1981 على يد زبانيه السادات ومحمد قطب مواليد 1919 وتزخر المكتبات بمؤلفاته العديده ثم اخته الصغرى حميده وقد حكم عليها بالسجن عشر سنوات ولاقت اهوالا عظيمه صابره محتسبه )
ودخل المدرسه الابتدائيه فى القريه عام 1912م حيث تخرج فيها عام 1918م ثم انقطع عن الدراسه لمده عامين بسب ثوره 1919م.
وفى عام 1920م سافر الى القاهره للدراسه حيث التحق بمدرسه المعلمين الاوليه عام 1922م
ثم التحق بمدرسه تجهيزيه دار العلوم عام 1925م وبعدها التحق بكليه دار العلوم عام 1929م
حيث تخرج فيها عام 1933م حاملا شهاده الليسانس فى الاداب.
عمله :
عين بعد تخرجه مدرسا فى وزاره المعارف بمدرسه الداوديه ثم انتقل الى مدرسه دمياط عام 1935م ثم الى حلوان عام 1936م وفى عام 1940 نقل الى وزاره المعارف ثم مفتشا فى التعليم الابتدائى ثم عاد الى الاداره العامه للثقافه بالوزاره عام 1945 وفى هذا العام الف اول كتاب اسلامى وهو التصوير الفنى فى القران وابتعد عن مدرسه العقاد الادبيه
وفى عام 1368 اوفدته وزاره المعارف الى امريكا للاطلاع على مناهج التعليم ونظمه وبقى فيها حوالى سنتين حيث عاد الى مصر فى 20-8-1950 وعين فى مكتب وزير المعارف بوظيفه مراقب مساعد للبحوث الفنيه واستمر حتى 18-10-1952 حيث قدم استقالته .
دخوله فى الاخوان:
دخل الاستاذ سيد قطب دعوه الاخوان فى سنه 1951م وكان يعبر عن هذا باعمق تعبيرقائلا ولدت سنه 51 م وكان ذلك على بسب ما راه فى امريكا من
1-فرح الامريكان وابتهاجهم عندما كان فى احد المستشفيات فى امريكا وعندما سال عن سبب الفرح قالوا اليوم قتل حسن البنا عدو النصرانيه فى الشرق
2-دعاه مدير المخابرات البريطانيه فى امريكا الى بيته فراى فيه امران الامر الاول ان اسماء ابناءه محمد وعلى واحمد والثانى وجد لديه كتاب العداله الاجتماعيه وهى النسخه الثانيه فى امريكا
والامر الثالث انه اخذ يحدثه عن جماعه الاخوان منذ ان كانت سته افراد فى الاسماعيليه وحتى سنه 1949م وذلك بتفصيل ينباأ انهم قد سخروا اجهزه واموالا لتتبع نشاط الاخوان وحركاتهم وسكناتهم
فقرر انه عند عودته ان يدخل الاخوان .وكانت يد اللله تعده لتهيئه الاجواءحتى يدخل سيد قطب فى الاخوان.وعند عودته من امريكا استقبله الاخوان استقبالا حافلا.فاتصل بالاستاذ الهضيبى وعرض عليه ان يقبله جنديا فى صف دعوه الاخوان فرحب الاستاذ الهضيبى بذلك .وتعبيرا عن جده فى الامر قدم استقالته الى وزاره المعارف .وكلفه الاستاذ الهضيبى بعد ذلك الى رئاسه جريده الاخوان .
وبعد الثوره طالب مجلس الثوره ان يعمل سيد قطب معه مستشارا للشئون الداخليه فقبل ولكنه لم يستطع العمل معهم لمده اكثر من سته اشهر .
دوره فى دعوه الاخوان :
1-كلف بقسم النشر الدعوه واشرف على رئاسه تحرير جريده الاخوان الاسبوعيه واصدر منها 12 عدد ثم اغلقت لكثره المضايقات الشديده عليها .
2-كلف بحديث الثلاثاء والذى كان يلقيه الامام البنا بنفسه وهذا مقام رفيع عند الاخوان تم تشريف سيد قطب به  بتوجيه من الامام حسن الهضيبى .
3-اوفده الاخوان بحضور مؤتمر الدراسات الاجتماعيه سنه 53 والقى بحثا فى التربيه الخلقيه كوسيله لتحقيق التكافل الاجتماعى
4-اوفده الاخوان مندوبا عنهم فى المؤتمر الاسلامى الذى عقد فى بيت المقدس الذى حضره قاده الفكر والعمل الاسلامى فى العالم وكانت تحت رعايه جماعه الاخوان المسلمين.
5- وقف سيد قطب الى جانب الاستاذ المرشد حسن الهضيبى فى وقت الفتنه التى وقعت عام 53 من رجال الجهاز الخاص
  اعتقاله:
تم اعتقاله سنه 54 وخرج بعد شهرين بعد خروجه عاد اصدار جريده الاخوان المسلمون واشرف على اعداد رسائل اسلاميه تصدر عن المركز العام وقسم نشر الدعوه وفى 16-10 وقع حادث المنشيه (مسرحيه المنشيه)وتم االقبض على الاخوان ومنهم سيد قطب وحكم عليه بخمسه عشر سنه وتعرض لتعذيب شديد مما اعادت اليه الازمات القلبيه واصيب بنزيف رئوى وتمزق فى الرئتين وتم نقله من السجن الحربى الى الامام طره للعلاج وظل هناك حتى ابريل 55 م فتم اعادته للسجن الحربى وحاولوا ان يجعلوه شاهدا ضد الاستاذ المرشد لكنه كان رجلا عظيما قويا صلبا فلم يستطيعوا ان ياخذوا منه شيئا .وظل فى محبسه عشر سنوات واخرج على اثر ذبحه صدريه فنقلوه الى مستشفى القصر العيينى وذلك سنه 1664م بتدخل من الرئيس عبد السلام عارف رئيس العراق
وتم اعتقاله مره ثانيه فى سنه 1965 من شهر مارس واودع السجن الحربى واسندت تهمه الخيانه العظمى له بقياده تنظيم ارهابى لقلب نظام الحكم .وصدر عليه الحكم فى صباح 21-9-1966م بالاعدام هو وسبعه من اخوانه وتم التخفيف على اربعه وتم تنفيذ الحكم فى ثلاثه هم سيد قطب ابراهيم ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح اسماعيل رحمهم الله جميعا وذلك يوم الاثنين فجرا الموافق 29-9-1966.
مؤلفاته:
1-اشواك:مايو 1947
2-مشاهدالقيامه فى القران :1947
3-طفل من القريه :1946
4-الاطياف الاربعه :1945
5-التصوير الفنى فى القران 1945
6-المدينه المسحوره :1946
7-كتب وشخصيات :1946
8-النقد الادبى :1948
9-العداله الاجتماعيه"1949
10-روضه الطفل:
11-الشاطىء المجهول ديوانه الشعرى الوحيد سنه 35
12- مهمه الشاعر فى الحياه
12-القصص الدينى بالاشتراك مع الاستاذ عبد الحميد جوده السحار
13-الجديد فى اللغه العربيه
14- معركه الاسلام والراسماليه
15- السلام العالمى والاسلام
16- تفسير فى ظلال القران سنه 1952
17-دراسات اسلاميه سنه 1953
18-هذا الدين المستقبل لهذا الدين
19- خصائص التصور الاسلامى ومقوماته
21- معالم فى الطريق وهو الذى عجل حكم الاعدام على صاحبه .
مساومات مع سيد قطب:
تعرض سيد قطب طيله حياته لمساوماتفكان رحمه الله عزيزا ابيا يرفض منهج المساومه وساعده على ذلك همته العاليه ونشاته فى بيئه موسره نبيا اضافه الى العمق الاخلاقى والدينى الذى نمته وعمقته دراسته فى كليه دار العلوم
كان سيد قطب تلميذا نابغا فى مدرسه العقاد ولكنه لم يكن خاضعا لسيطره العقاد بل كان متحررا حتى من قيود التلمذه فى تلك المدرسه .
فلم يكن سيد قطب اقل موهبه من نجيب محفوظ ..........والمطالع لكتابات كل منهما يرى ويلاحظ الموهبه النادره عند سيد قطب ...كما طوع الله الحديد لسيدنا داود  فلقد الان الله الحديد لداود والان الله مفردات اللغه لسيد قطب .
*فكانت اولى المساومات مع نفسه حينما اختار طريق الدين وسلك هذا الطريق فساومته نفسه وساومته الدنيا ببريقها ان يسير فى ركابها وسوف يجنى من الدنيا الخير الكثير فكان واضحا وحادا فى هذا الاختيار .
*ساوموه فى امريكا ان يرجع عن كتابه امريكا التى رايت وان يسير فى ركاب الحضاره الامريكيه ...فرفض بل عاد من هناك مصرا على المضى فى طريق الدين وسلك سبيل المؤمنين وحارب سبيل المجرمين بلا هواده  حتى اتاه اليقين .
*ساومه عبد الناصر ان يكون وزيرا للتربيه والتعليم على ان يترك جماعه الاخوان المسلمين قبل عام 54 فرفض.
*ساوموه ان يكتب ورقه يؤيد فيها جمال عبد الناصر وان يقدم اعتذارا لعبد الناصر ويخرج من السجن وكانت ظروف الاكراه بالسجن مع قائمه طويله من الامراض تتيح له استخدام تلك الرخصه التى قبلها كثيرون من زملائه الاخوان ولكنه رفض واثر البقاء فى السجن .
*ساوموه  على اقل من مجرد الاعتذار ولو بالمداهنه ... بكتابه ولو برقيه تهنئه  لعبد الناصر فى اى مناسبه من المناسبات الكثيره فى عهد عبد الناصر  ويخرج من السجن  فرفض فى اباء وشمم واثر البقاء فى السجن حاملا شعاره الربانى الكريم (ودوا لو تدهن فيدهنون)
*توسط له الرئيس عبدالسلام عارف لاخراجه من السجن وبعد ان خرج زاره مندوب الرئيس عبد السلام عارف فى بيته  وطلب منه ان يرحل معه الى بغداد  ويكون مستشارا خاصا له فاعتذر له وشكر له وقال له ان صحتى لا تناسب جو العراق وانا اريد جوا جافا مثل جو حلوان .
بعد خروج الاستاذ سيد من السجن  طالبته الضرائب بمبلغ 40000 جنيه  كضرائب مستحقه عليه وبعدها بفتره ذهب ذهب اليه احد كبار رجال المباحث  وعرض عليه العمل كوكيل وزاره مع اعفائه من الضرائب المستحقه عليه فاعتذذر له عن عدم قبول ذلك .
بعد فتره اخرى حضر اليه ثلاثه من رجال المباحث اذكر منهم الضابط احمد رشدى وبعد دردشه من هنا وهناك وسؤاله هل الفيلا التى يسكنها ملك ام ايجار فلما اجاب انها ايجار ابدوا دهشتهم قائلين كيف يكون شخص مثلك لا يملك مثل هذه الفيلا وغيرها ثم بداوا يعرضون عليه امر الكتابه فى الصحف قائلين هل يعجبك سيطره الشيوعين على الصحف  ؟لماذا لا تخترق مثل هذا المجال لتقليل الشيوعين ؟ فقال لهم ومن الذى يعينهم فى هذه الاماكن ؟ انا ام انتم ؟ ثم قال لهم ساخرا ز ومن من رؤساء تحرير الصحف يجرؤ على نشر مقال لى ؟فقالوا له اكتب اى مقال واعطه لنا ونحن نتولى نشره بل ولك ان تحدد الجريده التى تريدها فقال لهم باصرار (انا لا اقبل ان انشر باسمى فى هذه الصحف وانا لا ارضى ان ينشر لى باذن المباحث وانا لا اعتذر فقط بل ارفض ذلك )وانتهت المقابله .
*بعد فتره اخرى زاره ثلاثه اخرون احدهما عالم لبنانى كبير  واخر مصرى يعمل فى المؤتمر الاسلامى الذى كان يرأسه أنور السادات فى ذلك الوقت والثالث عراقى  ومما يلفت النظر ان الثلاثه من جنسيات مختلفه مع تباين وظائفهم واتفاقهم فى الهدف ولقد عرضوا عليه فكره انشاء مجله اسلاميه يتولى رئاستها اعتذر لهم ايضا وقال لنا بعدها ان البنانى طيب وحسن النيه والمصرى مكلف يؤدى مهمه اما العراقى فهو رجل مخابرات مدرب يعرف متى يتكلم ويعرف متى يصمت  وعقب على ذلك بانهم يريدون تلويث اسمه بالعمل معهم وهم حريصون دائما على تلويث الرايه رايه الاخوان بمحاوله استدراجهم للعمل معهم والمشاركه فى نشاطاتهم وانظمتهم حتى يلوثوهم وبالتالى يفقدون اى بريق او تاثير لهم عند الناس .
   بعض من صفاته :
   الصدق :
   ويظهر هذا جليا فى نفسه الأبية التى جعلت تعامله مع الساسة يكاد يكون مستحيلا ففى عهد الملك فاروق كان الكتاب يخطبون وده ويتزللون إليه وينزلفون حتى يستطيعون الانكباب على أقدامه علهم ينالون من الحطام أما الشهيد فكان رغم فقره أبيا صادقا ففى زواج الملك واعياد ميلاده ترى المقالات تملأالصحف بأقلام الكتاب تمجيدا فى الملك ومدحا فيه إلا اسم الشهيد بل إنه يكتب فى مجلة الفكر الجديد التى كان يرأس تحريرها والذى صدر منها ستة أعداد صودر منها عددان واضطرت الدولة لإغلاقها يكتب مقالا تحت عنوان ( رعاياك يا مولاى ) يظهر فيها صور من الترف الفاجر وفى المقابل صور من البؤس والفاقة فيضيق به الملك ذرعا فيرسل إليه من يطلق عليه النار فتخطئ الرصاصة وينجو الأستاذ سيد قطب ويظهر ذلك أيضا عندما سئله أحد تلاميذه لماذا كنت صريحا كل الصراحة فى المحكمة التى تملك عنقك فقال لأن التورية لا تجوز فى العقيدة ولأنه ليس للقائد أن يأخذ بالرخصة .
الشجاعة والرجولة :
ويظهر ذلك جليا فى أنه داس دنيا الحكام وآثر العيش وراء قضبان زنزانة فكان يقول ( إن أصبع السبابة الذى يشهد لله بالوحدانية فى الصلاة لا يرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم الطاغية ) رغم أن وزارة المعارف كانت تعرض عليه فى السجن فيرفض ذلك فى إباء ويقول لماذا أسترحم إن كنت مسجونا بحق فأنا أرتضى حكم الحق وإن كنت مسجونا بباطل فأنا أكبر من أن استرحم الباطل .
كرمه وسخاؤه :
وهذه الصفة تقترن مع الشجاعة غالبا فالنفس الأبية التى تجود بروحها يرخص عليها المال ومتاع الحياة ولقد كان سيد ينفق كل ما يأتيه ولا يدخر شيئا وكان لكثير من نزلاء ليمان طرة فى أمواله شيئ معلوم حتى من المجرمين ومن السجانين ولقد كان يشفق على حال السجانين الأسرية وضيق ذات يدهم فيرثى لحالهم ويخفف من كربهم وضنكهم وبأسهم مما جعل الحلوانى مدير السجن يقول ( إن الأستاذ سيد قطب هو المدير الفعلى للسجن ).
حبه ووفائه وعاطفته الجياشة :
ويظهر ذلك فى إفاضته على أسرته جميعا وتراه لهذا الوفاء لا يتزوج قبل المحنة التى أصبح راعيها بعد أبيه ويقول الأستاذ محمد قطب عنه ( هو أبى وأخى وأستاذى وصديقى ) وتراه فى المأتمر الإسلامى فى القدس يطلب من الأستاذ محمد خليفة أن يكلم القاهرة فى التليفون فيقول له هل طرأت لك حاجة فيقول لا وإنما هو الشوق لسما صوت الوالد المشد العام الهضيبى ولم يقتصر وفائه على البشر بل تعداه إلى الحيوانات فلقد كان يأوى بالقرب من الأستاذ سيد قطب فى ليمان طرة  قطا أعور تتقزز منه الأبدان فيجعل له قسمة من طعامه ويقول ليس من الوفاء أن نجافيه ونضيعه فى هرمه بعد طول صحبته لنا .
ويقول لأخته حميدة إن رأيتى الوالد المرشد فبلغيه عنى السلام وقولى له لقد تحمل سيد أقصى ما يتحمله البشر حتى لا تمس بأدنى سوء وذلط قبل إعدامه بيوم واحد فرضى الله عن الشهيد وألحقنا به فى الصالحين .
لمن يريد الاستزادةاللرجوع الى
موسوعة شهداء الحركة الاسلامية           (د/ توفيق الواعى )
الاخوان المسلمون و زلزال 65              (مهندس محمد الصروى )
عملاق الفكر الاسلامى                         (د / عبدالله عزام)
سيد قطب بين ناقديه ومادحيه                      (ا/ احمد عبدالمجيد)

الأربعاء، 12 يناير 2011

التجرد


التجرد في حياة الأخ المسلم
معنى التجرد :
في اللغة: جَرَدَ الشيءَ يجرُدُهُ جَرْداً وجَرَّدَهُ قشَره... والجُرْدَةُ بالضم أَرض مسْتوية متجرِّدة... والسماءُ جَرْداءُ إِذا لم يكن فيها غَيْم .. والتجرُّدُ التعرِّي [ انظر : لسان العرب 3/115].
وفي الشرع، أن يتخلص المرء من هواه، وأن يَخلص نفسه لله، وأن يصطبغ بصبغة الله .
وإن شئت فقل : التجرد : أن تجعل نفسك وقفًا لله .
التجرد ركن من أركان بيعتنا:
أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة:138)، ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (الممتحنة:4). 
 والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء.
التجرد فى الصحابة
عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ:  أُهَاجِرُ مَعَكَ . فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بَعْضَ أَصْحَابِهِ..
 فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟  قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .فَأَخَذَهُ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ !
 قَالَ – صلى الله عليه وسلم - : " : قِسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ " .
قَالَ:  مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ! وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا-  وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ! فَقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " .
فَلَبِثُوا قَلِيلاً، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَهُوَ هُوَ  ؟ ! "
قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ " .. ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ"[ النسائي : 1927،وصححه الألباني ]   
 وقفة تجرد :
في هذا المشهد السالف، نرى صورة من روائع التجرد لله، وصورة رجاله الذين صدقوا الله فصدقهم، فنالوا الجنة عن موقف تجردت فيه قلوبهم لله تمام التجرد، دون سابقة أعمال مأثورة أو تاريخ دعوي تليد، فقط دخلوا الجنة بوقفة وقفوها.
ومثاله الصحابي الذي دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة، حيث انتقل من صفوف الكفر إلى صفوف الإيمان في ميدان المعركة، فشهد شهادة الحق، فقاتل، فقُتل، هكذا في دقائق معدودات !
فمال الكبير الدالف، والسقيم المدنَف، وغيرهما، ممن عاشوا في الإسلام دون أن يقدموا له شيئًا يذكر ! أو انغمسوا في يَمِ المعصية مع قليل توبة، أو طُحنوا في طاحونة التجارة وتغذية البطون، وإشباع الفروج، والإمعان في نعيم زائل، فإما أن تمحصهم فُجاءات الأمور, وبَغَتات الحوادث، وإما أن تسكرهم سكرة الموت، فلا يرون أنفسهم إلا في عرصات القيامة حيث حساب ولا عمل، ونَدَمٍ حيث لا ينفع الندم !
هذا المتجرد :
هذا، الأعرابي، الصحابي، الجليل، عزم عزمة صادقة، وعرف غايته الكبرى وهي الجنة، وعرف السبيل إليها، وهو الجهاد، وأيقن أن الشهادة في سبيل الله هي أقصر الطرق وأيسر السبل إلى جنات وعدن، فعقد في نفسه أسمى غاية، هي الموت في السبيل الله، وأخذ العهد على نفسه في ذلك، واتبع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أجل الوصول إلى الغاية عبر هذه الوسيلة.. "أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا-  وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ !" .. لقد كان طموحه في منتهى السمو، وهدفه في منتهى الوضوح، ومنهجه في الحياة في غاية الغضارة، وأوضح من الشمس في رابعة النهار ..
أن يُرمي بسهم في حلقه .. فيموت .. فيدخل الجنة ..
من تمام التجرد :
لقد جاء هذا الأعرابي بقسمه في الغنيمة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، مستغربًا، وقائلاً :
" مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ !"
وكأنه يرى أن من الغَثَارة والحماقة أن يتلهي بغنيمة دنيوية، فيضيع فيها الوقت، وتمر فيها ساعات تأخره عن غنيمته الكبرى التي طمح إليه . فبين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يكن قد عاهد على نعيم دنيوي قط، بل كانت عزمته للجنة، الجنة فحسب.
ويكأن القاصد البصير لا ينظر إلى الفتات .
  الطريق إلى التجرد :
إن التجرد مرتبة سامقة، ودرجة سامية، لا يتسنى لإنسان أن ينالها إلا بمجاهدة، وهي – أي مرتبة التجرد – لا ينبغي أن ينالها نهمْة لا يشبعون، أو غلْمة لا يتعففون.
 لَرَجُلٌ ألزم نفسه الطاعات وألجمها عن الشهوات وصرفها عن الشبهات أحق أن ينال مرتبة التجرد.
قال الشاعر :
لا تحسبنَّ المجدَ تمرًا أنت آكله *** لن تبلغَ المجدَ حتى تلعقَ الصبرَ
وقال المتنبي مخاطبًا نفسه:
تُرِيدينَ إتيانَ المعالي رخيصةً *** و لا بد دون الشهدِ من إبْرِ النَّحلِ
فانظر كيف كانت بداية هذا الأعرابي، من أول يوم أسلم فيه، لقد كانت حياته صدقًا مع الله، فتأملْ – بارك الله فيك - أول الحديث، وتذاكرْ ما تحته خط :
"أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ:  أُهَاجِرُ مَعَكَ .
فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بَعْضَ أَصْحَابِهِ..
فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – سَبْيًا ..."
لقد كان بادىء أمر هذه الأعرابي: إيمان، واتباع، وهجرة، وجهاد .. !
فلم يزل يجاهد نفسه في الإيمان، بحسن الاعتقاد، وكمال اليقين، وجمال التوكل.
ولم يزل يجاهد نفسه في الاتباع، بحسن التأسي، وتمام الاقتداء بخاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم -.
ولم يزل يجاهد نفسه في الهجرة، فحمل نفسه حملاً، عن الشهوات والشبهات، وانتقل بنفسه من أرض الكفر إلى أرض الإيمان .
ولم يزل يجاهد نفسه في ساح الوغى، يكابد معمة القتال، يركض إلى الله ركضًا، بغير زاد إلا التُقى وعمل الرشاد . وهكذا، لم يزل يجاهد في الله، حتى هداه سبيل التجرد، فكان له ما كان من الشهادة والكرامة .
جائزة التجرد :وكانت جائزة هذا الأعرابي المتجرد عبارة عن حزمة من التكريمات النبوية والتشريفات المحمدية، فكانت له هذه المناقب :
المنقبة الأولى : أن صدّقه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فقال: " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ ".
المنقبة الثانية : أن كفنه النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُبَّته.
المنقبة الثالثة : أن قدَّمه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ .
المنقبة الرابعة : أن دعا له النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ" .
المنقبة الخامسة : أن شهد له النبي بالشهادة، قال : "فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ" .
أيها المتجرد، أبشر بهذه الخماسية !
التجرد ومثال في الملائكة
والملائكة مثال لمن تجرد لمحض الخير، قال الله تعالى فيهم : " لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [التحريم:6] ولذلك يقول الإمام الغزالي  :
"التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقربين، والتجرد للشر دون التلافي سجية الشياطين، والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميين؛ فالمتجرد للخير ملك مقرب عند الملك الديان، والمتجرد للشر شيطان.." [ الإحياء 3/105].
التجرد ومثال في الحج
والحج من أهم العبادات التي يستشعر فيها المسلم المعنى الحقيقي للتجرد، فهو يترك الأهل والوطن، ويتجرد من ثيابه، فيرتدي ثوبًا أشبه بالكفن، ويؤدي مناسك لا يعلم حكمتها إلا الله، ويستشعر المسلم معنى التجرد في طوافه الخالص لله بالكيفية التي أرادها الله، وفي التلبية التي يهتف بها الحاج معلنًا تجرده لله وبراءته من الشريك والنظير .. وفي ذلك كله التجرد من شهوات النفس ومطالب الهوى.
 التجرد طريق النصر:
إن طريقَ الدعوة واحدٌ لا يحتمل الشركة، ولذلك فإنَّ الدعواتِ لا تنجحُ ما لم يتجردْ لها المؤمنون بها التجردَ الذى يتمُّ به التخلُّص للفكرة مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ بحيث تملك الدعوةُ عليهم عقولَهم ومشاعرَهم، فلا شيءَ يعين الداعية على المحن في طريقه الشاق مثلَ التجردِ لله والإخلاصِ له﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام)، والتجرد الكامل لمنهج الحق المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والاستمساك به، وعدم المساومة عليه ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام:153) ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الزخرف:43)، وقال صلى الله عليه وسلم: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ" (أحمد) وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم".  
وقد تجرد قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لله ولدعوته، وتجرد للبلاغ، ثم رَبَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على التجرد لله، حتى خلت نفوسهم من حظوظ نفوسهم، وصار همُّهم كله أن يخلصوا العبادة لله، والعمل لنصر دينه ونشر رسالته، فلما علم الله منهم ذلك مكَّن لهم في الأرض، ونصرهم بفضله.
 ويقول الأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله في حديثه للإخوان المسلمين: "من مزايا الأنبياء والدعاة إلى الله: التجردُ للدعوة والتفرغُ لها بالقلب والقالب، والنفس والنفيس، والوقت والقوة، فمن شأنهم أنهم يركِّزون جهودَهم ومواهبَهم ويوفِّرون أوقاتِهم وقواهم لهذه الدعوة ونشرِها والجهادِ في سبيلها، ويعطونها كلَّهم ولا يَضِنُّون عليها بشيء مما عندهم، ولا يحتفظون بشيء ولا يُؤْثِرون عليها شيئا؛ لا وطناً ولا أهلاً ولا عشيرةً ولا هوىً ولا مالاً، حتى تثمر جهودهم". 
ويقول الأستاذ الشيخ  محمد محمود الصواف- رحمه الله-: "الدعوة هي حياة الداعية تأخذ عليه لُبَّه وكلَّ مشاعره وأحاسيسه، وهي كل حاضره ومستقبله، حياتُه مرتبطةٌ بحياتها، ونصرُه معلَّقٌ بنصرها، ويجب أن تصطبغ حياتُه كلُّها بصبغتها الربانية، فإن تكلَّم ففي الدعوة، وإن عمل فللدعوة، وإن سار سارت معه، وحيث وُجدت لا تفارقه ولا يفارقها، ويتصاغر أمامها، وكل ما قدم لها من خدمات يراها صغيرة وبسيطة بالنسبة إلى ما يجب عليه من جهاد أكبر"
الإخوان يتربون على التجرد:
إنَّ حركتنا المباركة لفي حاجة ماسة إلى القلوب المتجردة الموصولة بالله، التي لا تنظر إلى متاع دنيوي حقير زائل، ولا تعمل من أجل الزعامة أوالقيادة أو الصدارة، أو ابتغاء الشهرة والظهور الذي يقصم الظهور، ولهذا كان من أهم ما ينشغل به الإخوان في عملية التربية: تدريبُ الأخ على تزكية نفسه بما يجعلها مُتَأَبِّيةً على الدَّنايا، ثم الترقي به ليعيش متجردًا لرسالته، مطمئنًّا ومستعدًّا للتضحية في سبيلها بكل ما يستطيع
ومن ثَمَّ فالأخ الصادق مجاهد مستمر في جهاده، لا يربط انتظامه في الدعوة واجتهاده في العمل بإحراز المناصب أو التقدم في مواقع القيادة في الدعوة، بل إنه يتعفف عن طلب ذلك، ولا ينافس في شيء منه، ولا يتوقف عن العمل حين ينقل من موقع إلى آخر متقدم أو متأخر في الدعوة، بل هو جندي الدعوة في كل حال، يَخْدُمُها ولا يستخدمها.
 وكذلك لا يجعل الأخ الصادق المواقف الشخصية مع أحد من إخوانه– كائنًا ما كان موقعه- سببًا في ترك الصف، أو الافتئات على الدعوة والإساءة إليها، أو إشاعة المفتريات وترديد الأباطيل عن الدعوة وأهلها، بل يبقى في كل حال مهتمًّا ببيان حقيقة الدعوة وإيضاح صورتها الناصعة، والذب عنها وعن قادتها، ورد الافتراءات والبهتان عنها وعنهم. 
وميزان التجرُّد عند الأخ المسلم: قصدُ الحق، ونشدانُ الصواب، لا يُفَرِّق بين أن يظهرَ الحقُّ على يده أو على يد إخوانه، ويرى أخاه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له، ويقدم النصيحة لإخوانه بكل آدابها وضوابطها، ويظل عاملاً لدعوته، حريصًا على نجاح رسالته، متأبِّيًا على محاولات الاستدراج، واعيًا لكل محاولات شق الصف التي يجتهد فيها الخصوم.
 أيها الإخوان المسلمون: إن ظاهرةَ التنازع والشقاق والتشرذم التي تصيب بعض العاملين في حقل الدعوة تشير إلى نقص في التجرد الحقيقي لله، حين تختلف آراؤُنا واجتهاداتُنا ورؤانا ونحن متجردون لله وللحق، فسنحتكم إلى الضوابط والثوابت التي ارتضيناها، وسيقلُّ التنازعُ والشقاقُ والتشرذم دون شك حين نكون متجردين لله، نقبل النصيحة، ونحتمل النقد، سواء كان لأشخاصنا أو لأفكارنا أو لتصرفاتنا، وحين نكون متجردين لله لا تكون ذواتنا محور اهتمامنا ولا محور تحركنا، وحين نكون متجردين لله تكون طريقة الحكم على الآخرين هي الطريقة التي أمر الله بها ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8).
 وحين يغيب التجرد من حياة المسلم يحل محله اتباع الهوى والإعجاب بالرأي، وذلك بداية الهلاك ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ [الصف: من الآية5] ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ (محمد: 14)، وفي الحديث: "ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِى رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ..." (أبو داود والترمذي وحسنه). 
إن وضوح الباعث الحقيقي والمحرك الفعلي والدافع الأساسي للعمل من أجل عزة الإسلام وإعلاء كلمة الله؛ هو الذي يعين صاحب الدعوة على الالتزام بمنهج دعوة الإخوان المسلمين في إصلاح الأمة ونهضتها ورقيها؛ للوصول بها إلى الخيرية التي وصف الله تعالى بها أمة الإسلام في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110)، وكما أن وضوح الباعث الحقيقي في نفس صاحب الدعوة يتولد عنه الانتماء الصادق لهذه الدعوة المباركة والتجرد التام لها، فلا ينفك عنها مهما طال الزمن واشتدت به الخطوب؛ لأنه يدرك طبيعة الانتماء لهذه الدعوة المباركة، وأنه يبنى على منطلقات أربعة أساسية هي:
أولاً: المنطلق العقدي؛ لأن أداء التكاليف الشرعية عامة، وإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى هو واجب شرعي على كل مسلم. 
ثانيًا: المنطلق الفكري؛ لأن الفهم السليم والصحيح للإسلام- كما عبَّر عنه الإمام البنا رحمه الله في "رسالة التعاليم" و"الأصول العشرين"- هو الأساس الذي يُبنى عليه العمل الإسلامي. 
ثالثًا: المنطلق التنظيمي؛ لأن العمل الجماعي فريضة شرعية، وكما أوضح فقهاء وعلماء الأمة "بأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فالعمل لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى واجب شرعي، ولا يتم هذا الواجب إلا من خلال العمل الجماعي المتكاتف المنظم الموحد المتماسك البناء والمترابط الأركان. 
رابعًا: المنطلق الأخلاقي؛ لأن الأخلاق الإسلامية من الصدق والوفاء والتجرد وغيرها هي أساس العمل الإسلامي وبناء الأمة الإسلامية ونهضتها المنشودة. 
ولقد عبَّر الإمام البنا- رحمه الله- عن هذه المنطلقات الأربعة بقوله: "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل؛ إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور:
- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف
- ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر
- وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع أو بخل
- ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه، أو الانحراف عنه، أو المساومة عليه، أو الخديعة بغيره
على هذه الأركان الأولية التي من خصائص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة؛ تُبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتجدد الحياة لمن حرموا الحياة زمنًا طويلاً، وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقد قواده ودعاة الإصلاح؛ فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً..".
يقول الإمام البنا فى مقال له بعنوان ''التجرد لله تعالى''
  الناس رجلان:
1-  رجل يعمل ما يعمل من الخير ، أو يقول ما يقول من الحق ، وهو يبتغى بذلك الأجر العاجل ، والمثوبة الحاضرة ، من مال يجمع ، أو ذكر يرفع ، أو جاه يعرض ويطول ، أو لقب ومظهر يصول به ويجول: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14).
2- ورجل يعمل ما يعمل ويقول ما يقول لأنه يحب الخير لذاته ، ويحترم الحق لذاته كذلك ، ويعلم أن الدنيا لا يستقيم أمرها إلا بالحق والخير ، وأن الإنسان لا تستقيم إنسانيته كذلك إلا إذا رصد نفسه للحق والخير(وَالْعَصْرِ , إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:1-3) ولأنه يحب الله ويخشاه ويرجوه ، ويقدر نعمته ـ عليه في الوجود والقدرة والإرادة والعلم وسائر ما منحه إياه ، ففضله بذلك على كثير ممن خلق تفضيلا ، وهو يعلم أن الله قد أمر بالخير فقال: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77) ، وأوصى بالثبات على الحق ، فقال: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79) ، فهو لهذا يرجو ما عند الله ، ويبتغى بقوله وعمله مرضاته وحده.
 وقد يرتقى به هذا الشعور فيرى أن كل ما سوى الله باطل ، وكل ما عداه زائل ، فمن وجده فقد وجد كل شيء ، ومن فقد شعوره بربه فقد فقد كل شيء: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3) , فهو لهذا لا يرى أحدا غيره حتى يولى إليه وجهه ، أو يصرف نحوه حقه وخيره: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذريات:50) , (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) (لنجم:42) , أو لأنه يعلم أن هذه الدنيا فانية زائلة ، وكل ما فيها عرض حقير ، وخطر يسير ، من ورائه حساب عسير ، وأن الآخرة هي دار القرار ، فهو يزهد كل الزهادة في الجزاء في هذه الدنيا ، ويرجوه في الأخرى. 
فالمال إلى ضياع وورثة ، والجاه إلى تقلص ونسيان ، والعمر إلى نفاد وانقضاء مهما طال: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ) (النحل:96) ، (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى:17) ، وهو يرجو المثوبة نعيما في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولثك رفيقا. 
3- ومن الناس قسم ثالث يود أن يأخذ من هذه وتلك ، وقلما يستقيم له الأمر ، فهما ضرتان إن أرضيت أحداهما أغضبت الأخرى ، وكفتا ميزان إن رجحت واحدة شالت واحدة. على أن المقطوع به أن من أراد الدنيا وحدها خسر الآخرة ، ومن أراد الآخرة حازهما معا ، وصح له النجاح فيهما جميعا ، ومن خلط بينهما كان على خطر عظيم: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً , وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:18-19). 
ومن هنا آثر الصالحون من عباد الله في كل زمان ومكان أن يتجردوا للغايات العليا ، ويصرفوا نياتهم ومقاصدهم وأعمالهم وأقوالهم إلى الله جل وعلا ، متجردين لذلك من كل غاية ، متخلصين من كل شهوة: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة:5). 
ومن هنا قرأنا في تاريخنا قصة ذلك الذي عثر على حق من الجوهر الغالي الثمين في القادسية ، فقدمه إلى الأمير طائعا ، فعجب من أمانته وقال: (إن رجلا يتقدم بمثل هذا لأمين , ما اسمك؟ حتى أكتب به إلى أمير المؤمنين فيجزل عطاءك) فقال الرجل: (لو أردت وجه أمير المؤمنين ما جئت بهذا ، وما وصل علمه إليك ولا إليه ، ولكن أردت وجه الله الذي يعلم السر وأخفى ، وحسبي علمه ومثوبته). وانصرف ولم يذكر اسمه، وآثر ما عند الله على ما عند الناس. 
وأمثال ذلك كثير في تاريخنا الزاخر بمعاني التجرد للخير والحق والعمل الصالح ابتغاء مرضاة الله , فهل تستقيم الأمور على هذا النهج القويم ؟ ...... اللهم آمين
إن صاحب الدعوة عليه واجبات كثيرة ومتعددة حتى يستطيع أن يحقق هذا الانتماء الصادق والتجرد التام لدعوته في نفسه أولاً ثم في نفوس كل من حوله، ومن هذه الواجبات: 
1- وضوح الرؤية حول منهج الإخوان المسلمين ومنطلقاته الأساسية. 
2- تحري الإخلاص والصدق والتجرد في كل قول وعمل. 
3- العمل المتواصل الدءوب في جميع الظروف والأحوال، واستمرار العطاء والتضحية بكل غالٍ ونفيس. 
4- الارتباط بالفكرة ومنهج هذه الدعوة المباركة، وعدم الارتباط بالأشخاص مهما كانت مكانتهم وعلمهم وتاريخهم؛ مصداقًا لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتن". 
5- ترك الأهواء والأعراض الشخصية وحظوظ النفس والتسامي عن المنافع المادية والمصالح الشخصية، فيكون بذلك صاحب الدعوة جندي الفكرة والعقيدة لا جندي الغرض والمنفعة. 
6- عدم التأثر بالأفكار والآراء البعيدة كل البعد عن منهج الجماعة وسياساتها المعتمدة. 
7- الوفاء الثابت لهذه الدعوة وعدم التلون أو الغدر بها.  
وبعد.. فإن الانتماء الصادق والتجرد التام لهذه الدعوة المباركة هو الذي يجعل صاحب الدعوة- بعد فضل الله تعالى عليه- ثابتًا عاملاً لها مجاهدًا في سبيل تحقيق غايتها وأهدافها؛ مهما اشتدت المحن والابتلاءات أو شغلته الدنيا بصوارفها وشهواتها وملذتها... لأنه ينشد ما عند الله عزَّ وجلَّ من نعيم دائم لا ينقطع، وجزاء من الله باقٍ لا يفنى، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) (الشورى).
واعلم يا أخي أن النفس في عامة أحوالها أمارة بالسوء ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) ، فوجب علي العاقل رياضتها لكبح جماحها والتحكم في اتجاهها ، ويختلف الناس في طريقة التعامل مع النفس ،
فمنهم من يفهم طبيعة نفسه وميولها وتطلعاتها فيأتيها من أحب الأبواب إليها ويحسن قيادتها ليصل بها إلي ما يريد هو وليس ما تريد هي ، وإمام هؤلاء عمر بن عبد العزيز ، إذ قال له جليس يوماً : لم تضيق علي نفسك وأنت أمير المؤمنين ، فأجابه : إن نفسي طماعة وثابة ، كلما حصلت علي نعيم تطلعت لما بعده ، وقد حصلت علي كل نعم الدنيا فهي الآن تطمع فيما عند الله تعالي ، فهذا رجل قد فهم نفسه فراضها رياضة سلسة حتى وصل بها إلي هذه الصورة الكريمة .
ومن الناس من لايفهم شيئاً عن نفسه ولكنه يخاف عثراتها وتقلبها ، وهو يريد في نفس الوقت أن يعبر بها بر الأمان ، فحينما يري تمردها يناصبها العداء ويعاندها في كل ما تختاره له وما تدله عليه ، وهؤلاء غالبهم العباد الزهاد النساك الذين ناصبوا الدنيا العداء والشقاق خوفاً منها وإنا لنرجوا لهم السلامة .
ومتى داوم الإنسان علي رياضة نفسه ملك زمامها وتحكم في اتجاهها ، حتى يصل بها إلي مرتبة مميزة اتفق المتأخرون علي تسميتها ( إنكار الذات ) فماهي حقيقة إنكار الذات ؟ .
إنكار الذات من أعظم علامات التجرد
إنكار الذات حالة لا توجد إلا عند من اكتمل إيمانه فأصبح الحق هدفه يسعي إليه ويتعاون مع الآخرين عليه وتتضح صورة إنكار الذات في الممارسات التالية :
1) تقديم أمر الشرع علي هوي النفس وإن لم تكن النفس راغبة في ذلك ( وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فإن الجنة هي المأوي ) ، وعلامة ذلك قبول الحق فور العلم به وإن تعارض ذلك مع ما تشتهيه النفس ، ولا تتغير هذه القاعدة في حياته بصرف النظر عن الطريقة التي جاء بها أمر الشرع حتى لو جاء الحق علي لسان العدو فما بالك إذا جاء الحق عن طريق الأنبياء ( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ) . 2) إن كان من توفيق بفعل طاعة أو اجتناب معصية أو تحقق له نعمة من نعم الدنيا نسب الفضل إلي الله تعالي وليس إلي نفسه
، يقول ربنا تبارك وتعالي ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وهذا ليس فقط خبراً أخبر به رب العالمين بل هو  ( إنيrكذلك منهج المؤمنين الصادقين قال تعالي مخبراً عن نبي الله يوسف  تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ، واتبعت ملة آبائي إبراهيم واسحق ويعقوب ماكان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ، في حين أن قارون قال حينما ذكره قومه بنعمة الله عليه وبما يجب عليه فيها فقال كم حكي عنه القرآن الكريم ( قال إنما أوتيته علي علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ويسأل عن ذنوبهم المجرمون ) وقال سبحانه عمن زكي نفسه بزعم الإيمان ( يمنّون عليك أن أسلموا قل لاتمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) .
3) أن يقدم نفسه ويزاحم الناس حين البذل والتضحية ، وأن يجعل نفسه في المؤخرة حين الغنيمة فلا يكن كالمنافقين الذين لا يرضيهم سوي الأخذ ، فإن  كانوا لا يُرون في الصف الأول إلا في الصلاة وعند الجهادrأصحاب رسول الله  ، أما عند توزيع الغنائم قل أن تراهم .
ثمرة إنكار الذات
من أنكر ذاته في سبيل شيء فقد ربط نفسه بهذا الشيء وجوداً وعدماً ، فمن اختار المنهج الحق وأنكر ذاته في سبيله فقد علق نفسه الفانية بالمنهج الباقي ، وهو بذلك يضمن لها ثمرة الدنيا التي وعد الله عباده المؤمنين وكذلك يضمن لها الأمن يوم القيامة ، وخير شاهد علي تلك الحقيقة أولئك الأقوام من الصحابة والتابعين والعاملين لهذا الدين الذين نذكر أسماءهم محاطة بهالة من النور والاحترام مع أنهم لم يقصدوا أن يجعلوا لأنفسهم ذكراً بين الناس إنما قصدوا وجه الله وجعلوا أنفسهم طريقاً معبداً لخدمة شرع الله .
صور ونماذج لإنكار الذات
إنكار الذات وصف يتضح أثره في كافة جوانب الحياة ويمكن تصوير بعض هذا الأثر كما يلي :
أولاً : في الحياة الأسرية
تقوم النظرة المثالية التي رسمها الإسلام للحياة الأسرية علي أنها صمام أمن للفرد والجماعة ، كيف لا وبها تُحصن الأعراض وتُحفظ الذرية ويُصنع رجال المستقبل ؟ ، كما أن هذه النظرة المثالية لاتنكر الخلافات الفكرية التي تكون بين الطرفين الأساسيين في العلاقة الزوجية ، ولكنها تأمل في أن يتنازل كل من الطرفين عن كل أو بعض أنانيته لإنجاح هذه العلاقة ، وذلك طبقاً لسياسة سددوا وقاربوا ، ومن شأن من أنكر ذاته أن ينظر إلي الحياة الأسرية نظرة الغريق إلي سفينة النجاة ، فهي فرصته الأكيدة للنجاة من الغرق ، فهناك فرق كبير بين من كانت تلك نظرته إلي الحياة الزوجية وبين من دخلها بروح الندية وذلك من تغلب عليه شح نفسه وعلا في حياته صوت ( الأنا ) فانصرف همه إلي تحقيق أكبر قدر من المكاسب من وراء تلك العلاقة الزوجية التي هي علاقة مقامة بكلمة الله .
في الحياة الأسرية يتنازل الرجل عن كل أنانيته ورغباته الخاصة التي لا تنسجم مع الروح الأسرية الواجبة ، يتخلص من كل ذلك ليعيش لأسرته يرعاها ويعلمها ويؤدبها ويقوم علي كافة شئونها ليقدم أولاده الصالحين هدية للمجتمع ، ومطلوب منه أن يسمو بامرأته وبجميع أهل بيته فوق الغرائز لا أن يسقط في دروب الهوي ومتع الدنيا .
وشأن المرأة إن أنكرت ذاتها أن تنظر إلي زوجها باعتباره معبرها إلي الجنة  حيث قالrوبأن خدمتها له تعدل الجهاد في سبيل الله كما أخبر بذلك المعصوم  لوافدة النساء ( أخبري من خلفك من النساء أن خدمة إحداكن زوجها واعترافاً  القائل ( إن المرأة إذا صلتrبفضله يعدل الجهاد في سبيل الله ) وهو أيضاً  خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ) ، ومتى كان هذا هو اقتناع المرأة عن الحياة الزوجية فلن تبخل علي زوجها بحب ولن تضن عليه بجهد وأبداً لن تقدم رضاها علي رضاه ، ولها فيمن سبقها أسوة حسنة :
1)
في الحديث المتفق عليه أن أم سليم امرأة أبي طلحة مات ولدها في حجرها بعد خروج زوجها من البيت ، ونحن نعلم جيداً حال الأم ومشاعرها حين فقد ولدها فذاك مشهور ، ويُلتمس لها ألف عذر إن اعتزلت زوجها أو حتى اعتزلت حياتها لفترة مناسبة ، ولكن هذه المرأة الصابرة المحتسبة تؤثر حزن زوجها علي حزنها ، وتجعل التفريج عنه مقدماً علي مشاعرها ، فحين يأتي إلي البيت تطمئنه بأن ولده في أحسن حال ثم تتزين له حتى يصيبها ، وبعد أن تهدأ نفسه r يشكو صنيعها يدعوا الرسول rتخبره بما جري لولده وحينما يذهب لرسول الله  لهما ( بورك لكما في ليلتكما ) .
2)
أمامة بنت الحارث توصي ابنتها أم إياس بنت عوف وهي تزفها إلي زوجها ومن بين وصاياها : كوني له أمةً يكن لك عبداً وشيكاً ، وأيضاً توصيها : وإياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً والكآبة بين يديه إن كان فرحاً ، إن الأم تأمر ابنتها بأن تؤثر رضا زوجها علي رضا نفسها وأن تذوب في كيانه لا أن تكون نداً له .
3)
في العقد الفريد أن رجلاً متزوجاً خطب إلي أعرابي ابنته ، فرفضت الكبرى الزواج به قائلةً : يوم عتب ويوم غيرة والعذاب بين اليومين ، فقالت الصغرى زوجنيه ، فقال أبوها : علي ما قالت أختك وترغبين في الزواج به ؟ قالت : نعم ، يوم زينة ويم لقاء ولعل الله يجعل المتعة بين اليومين ، نعم تلك فتاة يقول القائل عنها : إنها تفوقت علي نفسها ، فلم تر في زوج المستقبل ما رأته أختها من أنه مبعث عتب وغيرة ، ولكنها رأت أنها قادرة علي أن تصنع لحظات متعتها من خلال ما تقدمه لزوجها من متع ترضيه بتزينها وصبرها علي ألم  : ( إن الله كتب الجهادrالغيرة من زوجته الأخرى ، وفي الحديث عن النبي  علي الرجال والغيرة علي النساء فمن صبرت منهن علي غيرتها كتب الله لها أجر المجاهدين في سبيل الله ) ولا تستغرب بعد ذلك إذا ما علمت أن هذه المرأة تحتل مكانة عالية في قلب زوجها ، مكانة لا يصنعها مال ولاجمال ولاحسب ، إنما يصنعها تحببها إلي زوجها وصبرها علي ما تري من غيرة وابتعادها عن العتب الذي إن كثر ورث البغضاء وكان الشقاق .
ثانياً : في مجال العلاقات الاجتماعية
يري العاقل أن صلة الرحم أوسع أبواب استجلاب رحمة الله ورضوانه ، ولئن أغلق إنسان هذا الباب فهيهات أن يجد باباً أقرب منه يوصله إلي رضوان الله ، ولهذا فينبغي علي العاقل أن يسد كل منافذ الشيطان التي تسعي لغلق هذا الباب في وجه الإنسان ، وأن يتفوق علي نفسه التي تدعوه إلي الندية في المعاملة .
 
إن ليr يشكو قرابته قال : يا رسول الله rجاء رجل إلي رسول الله  قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي ،  : لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من اللهrفقال النبي  ظهير عليهم مادمت علي ذلك ، رواه مسلم .
ثالثاً : الأخوة في الله
الأخوة في الله أوثق عري الإيمان ، وأقرب المسالك لاستجلاب محبة الله تبارك وتعالي
رابعاً : في مجال الحياة العامة
المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ، والأعباء ثقيلة فما لم نتعاون علي حملها استحالت ، والشعار الذي يرفعه العقلاء هو أن المهم الإنجاز وليس من أنجز ، ومن تقدم ليسد ثغرة علي الأمة وإن كانت يسيرة فهو الفائز حقاً بخلاف  ( إن الله يحبrمن سعي إلي زعامة أو رياسة ، في الحديث عن رسول الله  الأبرار الأنقياء الأخفياء الذين إن حضروا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا ) ابن ماجة والحاكم والبيهقي عن معاذ بن جبل .
 
في سفر مع جمعrقصة معلومة لدي عامة المسلمين يوم أن خرج رسول الله  من أصحابه ، وحان وقت الطعام فاقتسم الصحابة الواجبات لإنجاز الطعام ، فقال  : وعليّ جمع الحطب .rالنبي 
 
لم يقبل أن تنفصلrفي الخبر ما فيه من العظات ، فأول ذلك أن النبي  القمة عن القاعدة ، بل ينبغي أن تكون معهم في الآمال والآلام ، تشاركهم  عملاً اختارrأمانيهم وتشاطرهم أحزانهم ، وثاني ذلك حينما اختار النبي  المطلوب لمصلحة الأمة بصرف النظر عن موقع هذا العمل ووجاهته الاجتماعية ،  إذا رغب في العمل أن يكون قائداً مخططاً ومراقباً للتنفيذrوقد كان يكفيه  ولكنه لم يشأ أن ينازع أحداً علي مكان استقر فيه وهذا ثالث مافي الأمر من عبر .
أفيقارن ذلك بموقف عبد الله ابن أبي بن سلول يوم أحد حينما اعتزل المسلمين قبل المعركة بمن معه من الجند ، وكانت حجته : عصاني وأطاع الغلمان ومن لا رأي له ، علام نقتل أنفسنا ؟ يري نفسه قائداً لم يُلتفت إلي رأيه ومشورته ، والنتيجة معروفه فقد حكم الله بكفره وبعدم قبول صدقته وأمر النبي  بعدم الصلاة عليه عند موته ، وما ذلك إلا لأنه رأي نفسه فوق قانون الأمةr  .rفعصي أمر الله ورسوله 
خامساً : في مجال العبادة
والعبادة الصحيحة لا مجال فيها للنفس مطلقاً وإلا حبطت العبادة ، ومع هذا فتري الناس يأبون إلا أن تكون عبادتهم علي نسق الميراث الذي توارثوه عن آبائهم وأجدادهم ، ولئن تفقه أحد الشباب فنصح الناس اتهموه بالخروج علي المألوف من عبادة المسلمين ، وتلك واقعة نهديها لمن يري نفسه فوق أمر الله  بعد تحويل القبلةr ، فقد حدث أن رجلاً صلي خلف رسول الله rوبيان رسوله  إلي البيت الحرام ثم انصرف فوجد أهل مسجد يصلون إلي بيت المقدس ، فوقف عند  وقد أُمر باستقبالrباب المسجد ثم قال : اشهد أني صليت خلف رسول الله  الكعبة ، فما هو إلا أن تحول جميع المصلين في حركة دائرية منتظمة واستقبلوا الكعبة ، لم يتوقف أحدهم ولم يعترض أحدهم ولم يتكبر أحدهم .
سادساً : في مجال العلم والتعليم
العالم العامل الرباني الحق هو من كان يهتم بتحصيل المادة العلمية الصحيحة مع حرصه علي أن تصل إلي كل الناس بشكل صحيح حتى لو جاءت من غيره ، فمثل هؤلاء العلماء يعلمون أنه لا يجوز تعلم العلم إلا خشية لله وليس علي سبيل طلب الرياسة أو الجاه أو المجادلة ، بل ما علمناه من سيرة السلف الصالح أن أحدهم كان يسعده أن يجيب عالم غيره علي تساؤلات المسلمين ويفرح إن أصابه توفيق ، وما علمنا انتصاراً للرأي ولا تغليباً لاجتهاد بغير سند إلا في فترات التخلف والتقهقر وكأن التخلف قرين التعصب ، وحسبنا هذه الأمثلة :
1) في مجلس الإمام مالك مع تلاميذه جاء رجل يستفتيه ، فأفتي بطلاق امرأة قال لها زوجها : أنت طالق ما غرد العصفور ، فيعني هذا أنها تطلق إذا توقف العصفور عن التغريد ، فانصرف الرجل حزيناً ، فاستوقف الإمام الشافعي ( تلميذ مالك في ذلك المجلس ) السائل وأمره أن يراجع مالك في فتواه قائلاً له : قل له إنها لا تطلق وحينما استعلم مالك من الشافعي قال الشافعي : أرأيت  ( فأما معاويةr لفاطمة بنت قيس في رجلين يخطبانها حيث قال rقول رسول الله  فصعلوك وأما أبو الجهم فضرّاب للنساء ) وفي رواية ثانية ( فلا يضع عصاه عن عاتقه ) فأين تكون عصاه حين نومه وحين طعامه وحين خلائه ؟ إنما قصد رسول  غالب حال أبي الجهم ، وكذلك غالب حال العصفور أنه يغرد ، فلا تطلقrالله  المرأة ، فرد مالك : الآن حق لك أن تفتي ، لم يرفض مالك اجتهاد تلميذه في مجلسه ، ولم يأخذه الكبر أن يكون في المسألة رأياً آخر يخالف رأيه ، رضي الله عن الجميع .
2)
في البخاري وغيره أن أبا موسى الأشعري سُئل عن بنت وبنت ابن وأخت فقال : للبنت النصف وللأخت النصف ، ثم قال للسائل وأت ابن مسعود فسيوافقني ،  ، للبنت النصف ولبنتrفسُئل ابن مسعود فقال : لأقضين فيها بقضاء رسول الله  الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فهو للأخت ، فأتينا أبا موسى فأخبرناه فقال : لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم .
3)
سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام يلقاه سائل في الطريق فأفتاه ثم تنبه بعد مراجعة نفسه أن الفتوى ليست صحيحة فماذا يفعل ؟ لقد أرسل منادياً يطوف أنحاء المدينة يقول : يامن أفتاه اليوم العز بن عبد السلام يقول لك العز ين عبد السلام إن فتواه غلط ، قال أهل العلم ساعتها لقد تفوق العز علي نفسه ولقبوه سلطان العلماء .
سابعاً : في مجال نصر الدين
يعلم المؤمن أن حياته فانية ، وأن الطريقة الوحيدة لضمان الامتداد والخلود في النعيم هو أن يقدم تلك النفس الفانية في سبيل شيء يبقي ويدوم ألا وهو الدين فإن الله تعالي قال ( هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفي بالله شهيداً ) وقال ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) وقال ( والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
ولهذا فإن العاقل من دخل في حلف مع الله ( ألا إن حزب الله هم الغالبون ) ويكون ذلك ببيع الفانية وشراء الباقية ( إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) وعلامة ذلك السعي لتحقيق مراد الله من خلقه في هذا الجانب .
مراد الله تبارك وتعالي من خلقه ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً ) .
إن أسمي صور إنكار الذات أن يجود المرء بنفسه فداءً لدعوة الله تبارك وتعالي ، ولئن كانت مقاييس الذكر والشرف بين الناس في حجم التضحيات التي يقدمونها لأوطانهم فما بالنا إذا كانت التضحية في سبيل تحقيق أمر ملك الملوك ومن بيده ملكوت كل شيء ؟
 وإليك بعض الصور :
1)  من الجهات الأربع فيسألهrساعة الهجرة يدور أبو بكر حول رسول الله   فيرد عليه بأن نفسه تحدثه أن العدو سيأتي من الخلف فيسارع ليسترالنبي   من خلفه ثم يتصور أن العدو سيأتي من الأمام فيسارع إلي الأمامrرسول الله   إذا كان هناك هجوموهكذا يتقلب بين الجهات الأربع ليكون فداءً لرسول الله   الدعوة التي لابد أن تبقي بينما هو فردمن العدو ، فهو يري في رسول الله  والأفراد كثيرون .
2)
خالد بن الوليد يعزله عمر عن قيادة الجيش وهو في مواجهات مع جيش الروم ويرسل بدلاً من أبا عبيدة بن الجراح ، وأخر أبو عبيدة إعلام خالد بقرار عزله حتى انتهت المعركة فعاتبه خالد علي ذلك ، فكانت إجابة أبي عبيده أنه لم يرد أن يضيع علي خالد نصراً يستحقه ، وفي صبيحة اليوم التالي يري الجند مشهداً نادراً ، فقائد الأمس ( خالد بن الوليد ) يقاتل اليوم كجندي تحت إمرة أبي عبيدة بن الجراح ، وقال كلمته المشهورة : إني لا أقاتل في سبيل عمر وإنما أقاتل في سبيل رب عمر .
3)
في قصة أصحاب الأخدود ينجو الغلام من بطش الملك المرة بعد المرة ، حينما صعدوا به جبلاً ليلقوه من عل اهتز الجبل وسقط جميع من أحاطوا به فعاد إلي الملك ولم يفر ، وفي المرة الثانية حمله أعوان الملك وأرادوا إغراقه في البحر فارتج البحر وغرقوا جميعاً وأيضاً لم يفر بل عاد إلي الملك وطالبه أن يستمع لما يأمره به وهو أن يجمع الناس في صعيد واحد وأن يصلبه علي خشبة طويلة وأن يأخذ سهما من كنانة الغلام وأن يقول باسم الله رب الغلام عندها فقط يمت الغلام ، وما إن فعل الملك ذلك حتى قالت البلدة جميعها آمنّا بالله رب الغلام ، مات الغلام وعاشت الدعوة .
هذا الموضوع تجميع من عدة مواقع و الفضل أولا و أخيرا لأصحاب الموضوعات و دوري هو تجميع الموضوع  أسألكم الدعاء