الأربعاء، 5 مايو 2010

الصلاح والاصلاح في القرآن


الصلاح والاصلاح في القرآن(2) 
المطلب الثاني
مكانة الإصلاح

لا شك إنّ كل عمل يعمله المؤمن، من صلاة وزكاة وحج وإنفاق وأمر ونهي والعبادات البدنية والقلبية ، وخلق من أجل أن يحقق له سعادة الدارين، وخوفاً من أن يكتب عليه الشقاء في الدنيا ومصاحبة الزمرة الهاكلة في الآخرة، وطمعاً في أن يكتب له في الدنيا مصاحبة الزمرة الفائزة في الآخرة ، فلا يعمل المؤمن الكيس مالا يدري مابنهايتها؟ بل يعمل ما يثمر.
ومن هذه الأعمال الإصلاح " فإصلاح المجتمع المسلم، حق لكل مسلم متى رأى إعوجاجاً عليه أن يصلحه بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، بل ان هذه الوظيفة واجب، على كل فرد و لذلك عليه أن يتعاون مع الآخرين ليحق الحق ويدفع الباطل، فلا يثرى الظلم والشر يسشتري في جسد الأمة حتى لو كان الظلم والشر من أقرب الناس إليه " ( [39]).
وبهذا أصبحت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، فقوام خيريتها الإصلاح، وبدونه تفقد الأمة الخيرية، وهذه الأمة أخرجها الله عز وجل لمهمة، وهذه المهمة ليست قاصرة على أنفسهم ولا على بيوتهم ولا لقراهم بل - أخرجت للناس- كلها للقيام بثلاثة أمور، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... { آل عمران: 110.
"... وبه صارت منزلة الأنبياء والمرسلين أفضل منازل الخلق لتبلغهم الرسالة عن ربهم وصاروا من أفضل الخلق وأزكى العالمين نفوساً، وأكملهم علوماً، ومن هذا يتبين أهمية الركن ويظهر فضل الدعاة – الصالحين- إلى الله عز وجل بأمرهم المعروف ونهيهم عن المنكر أمام بقية الخلق، وكيف يصيرون به خلفاء النبوة، ونواب الرسل، لأن مراتب الدعاة إلى الله بعد مراتب الأنبياء ( فإنهم يخلفونهم )، على منهاجهم، وطريقتهم، من نصيحتهم للأمة، وإرشادهم الضال، وتعليمهم الجاهل ونصرهم المظلوم، وأخذهم على يد الظالم وأمرهم بالمعروف وفعله ونهيهم عن المنكر وتركه والدعوة إلى الله بالحكمة للمستجيبين ، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين، فهذا حال أتباع المرسلين وورثة النبيين " ( [40]).


وصف الله عز وجل الأنبياء بالصلاح والإصلاح :

إن آثار الصلاح والإصلاح ترفع من منزلة الإصلاح وتجعل له خصوصية تسمى بخصوصية الأمة الإسلامية , وهذه الآثار كلها في الدنيا , أي الأمة الإسلامية القائمة بالإصلاح موعود في الدنيا بآثار لاتعد وتحصى .
أما الثمرات التي يكتسبها الصلاح والإصلاح بعد الحياة الدنيوية , فيكفينا أن نتذكر قوله تعالى }جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ , سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار { الرعد:23-24، أي يجمع بينهم أحبابهم فيها من الآباء والاهلين والابناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم حتى انه ترفع درجة الادنى إلى درجة الاعلى امتناناً وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، وتدخل عليهم الملائكة للتهنئة بدخول الجنة , فعند دخولهم إياها تغدو عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام ( [41]).
والإصلاح سبب لدعاء الملائكة والرسل، قال تعالى: } الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { غافر: 7-9، والصالحون من زمرة أصحاب المنازل العالية في الجنة } وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً { لنساء:69.
وأخيراً فالإصلاح هوالإهتداء الذي قال عنه الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لاينقص ذلك من أجورهم شيئاً )) ( [42]).

المطلب الثالث
قواعد ومراتب الإصلاح

إصلاح الأمة نفسه شيئ سهل ميسور لمن يريده وبهذا أشار القرآن الكريم } وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ { القمر:17، هو الحال بالنسبة للإصلاح، اما تحقيق التغيير والتأثير في المجتمع ليس بشيء قليل يرتجى من وراء كلام مجرد , ولهذا وضع علماء الأمة أصولاً وقواعداً وشروطاً للقيام بهذه المهمة .
ويقول الأفغاني ( [43]) : " ... ومن طلب إصلاح أمة شأنها ماذكرناها بوسيلة سوى هذه فقد ركب بها شططاَ , وجعل النهاية بداية , وإنعكست التربية وإنعكس فيها نظام الوجود , فينعكس عليه القصد ولايزيد الأمة إلا نحساً ولايكسبها إلا تعساً " ( [44]).
فشروط المنكر كما بينها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين كونه - أي المنكر- منكراً بالإتفاق , وأن يكون موجوداً في الحال , وأن يكون المنكر ظاهراً " وأما مالم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها ولا أن يهتك الأستار حذراً من الإستتار بها " ( [45])، وأن يكون منكرأ معلوماً بغير إجتهاد إلى غير ذلك من الشروط، من كونه أن لايؤدي تغييره إلى منكر أكبر منه… الخ ، وكذا بيّن العلماء آداب المحتسب القائم بتغيير المنكر , الحامل لراية الإصلاح , ومصدرها العلم والورع وحسن الخلق والعدالة والالتزام , وأوصى بها السلف فقال إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليتق بالثواب فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى ( [46]).
وليعلم الداعية الذي يريد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يدرك أنّ كلاً منهما مراتب وليس على درجة واحدة , والأجر على قدر النية والمشقة , وقد يمكن له القيام بالجميع ولكن قدرة الإنسان وطبيعة التكليف ومايرتبط به الإنسان من أمور عبادته أو مشاغل معاشه، وكذلك طبيعة الناس وظروف الحياة تؤدي كلها إلى إزدحام المعروفات أو تجمع المنكرات مما يقود بالضرورة إلى معرفة مراتبها حتى يقدم أعرف المعروفين أو ينكر أنكر المنكرين، ويقدم الأمر بالواجب قبل الأمر بالمستحب وينهي عن الحرام قبل نهيه عن المكروه , وما كانت نتائجه جماعية فالأمر به أو النهي عنه أفضل مما كانت إثارة فردية , وهكذا رغم أن الأمر بالمعروف يؤدي مطلقاً ، كما يؤدى النهي عن المنكر من جهة النوع مطلقاً ( [47]) .

من قواعد الإصلاح :
اذا أمعنا النظر في كتب العلماء في هذا المجال نجد أنّ لها قواعد جمة, نورد بعضاً منها:-
1- تقدير المصالح والمفاسد :
لامنازعة في أصل إعتبارالمصالح والمفاسد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنه أدّى الأمر بالنهي إلى منكر أكبر، لم يكن مأموراً به، بل قد يكون في هذه الحالة مما يسخطها الله ورسوله ( [48]).
وهذه القاعدة توضح مضمون الشريعة , فالشريعة انما شرعت لجلب مصلحة البشر ولدرء المفاسد عنه , وهذا هو قصد الشريعة , وبناء على هذه القاعدة يتفرع المقاصد إلى انواع ، فأيّاً كان لايخرج عن مضمون المصلحة وجلبها لبني البشر، " ومن القواعد الأخرى المتفرعة تقديم المصالح القطعية على الظنية وتقديم مصالح الجماعة المؤمنة على المصالح الفردية , ودفع المخاطر الواقعة مقدم على دفع المخاطر المحتملة , كما ان حفظ مقاصد الدين مقدم على حفظ مقاصد الدنيا والضروريات مقدمة على الحاجيات والتحسينيات…" ( [49]).
2- عمليات التحكم :
التحكم هو العمل بالحكمة وإيجادها في ميادينه , وإنخراط جميع أفراد المجتمع في العملية بآلية تناسب المسألة بلا استصغار لجهد الفرد , وكذا فتح الآفاق والطريق وعدم الاعتماد على البعض دون البعض .
وتدشين العملية الإصلاحية بأبعادها المختلفة يحتاج إلى عمليات تحكم وتضبط السير وتضمن أيضاً تدفق الجهود في مسارها الصحيح كى تضمن تفاعل البيئة مع الإصلاح , وتضمن نجاح المسعى وتحقيق الأهداف .
بإختصار تحتاج العملية إلى ذلك المفهوم الذي أشار به التعبير القرآني وليس له بديل، تحتاج إلى الحكمة , ومن هنا وجب التفكير في إستيعاب مجموع الضمانات.
والشروط تتحكم فيها أيضاً عدة عوامل : منها عامل الزمان و المكان و البيئة والمجتمع , وخاصة إذا أخذنا بأحد تعريفات الحكمة القائل:( بانها القول أو الفعل المناسب في الظرف المناسب) ، وماهذه الشروط والضمانات إلا محاولة لهذا الاستيعاب ومحصلة في نفس الوقت لخبرات كثيرين في ساحة الإصلاح والدعوة، نطرحها كالتالي :-
إتساع الأفق الإصلاحي: للمشاركين فيه } فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ { الزلزلة:7، تحث روح المبادرة عند جميع أفراد المجتمع للعمل المشترك الصالح، كل بما يناسب موقفه وطاقته , بلا تخصيص لعبئ الإصلاح على طائفة معينة أو مستوى من المسؤولية، فالإصلاح مسؤولية الجميع , و لنجاح العملية الإصلاحية , أن لاتعتمد على طاقات القائمين عليها واتباعهم فقط ، كما لاتستدعي إلزام عامة الأفراد للعمل وفق ترتيب معين وأولويات محددة وإلا كان تعنيتاً وتحريجاً، كما هو دعوة صريحة كذلك لفتح الباب الإصلاحي للجميع , للمشاركة وإشاعة روح الإصلاح في المناخ العام بكل عشوائية، بلا تجريح أو تعنيت، وترك روح المبادرة والمنافسة عند الناس للقيام بالمهام الأفضل من خلال الترشيد التي تشيعه نصوص الوحي على أن يقوم بالتوعية بها وشرحها العلماء والمصلحون، فيتم توجيه الطاقات تلقائياً إلى إنجاز ماتتقن وما تطيق كما يتشعب الإصلاح إلى آفاق الحياة الواسعة ويشارك فيها البناؤون بجميع التخصصات والخبرات وعلى صعيد كل مستويات المسؤولية، " … ومن الضروري أن نتمعن في هذه المقولة لروسو ( بيِّنوا الطريق للناس ولاتحددوا ما عليهم، إمنحوهم الرؤية فحسب وهم سوف يجدون الطريق بأنفسهم، وسوف يعرفون ماعليهم " ( [50]).
وللدكتور يوسف القرضاوي تلميح جميل في ذلك حيث يقول : " لاينبغي أن ننتظر العمل من الحكام وحدهم ولامن العلماء وحدهم ولامن اصحاب المال او الجاه او الثقافة وحدهم وانما ننجح حقاً يوم نستطيع ان نحرك الجماهير المسلمة الغفيرة بالاسلام وللاسلام كما فعل اليهود حين حركوا يهود العالم كله من اجل ارض الميعاد رغم تفرقهم في اقطار الدنيا , وتقطيعهم في الارض أمماً , فعلينا ان نحرك المسلمين ليقوم كل بدوره وقدر وسعة للرجل دوره للمرأة دورها ,للصبي وللفتى وللفقير , المهم أن يعمل الجميع، وأن يوضع كل في مكانه الملائم ,من إستطاع أن يميط شوكة عن طريقٍ فليمطها، ومن أمكنه أن يبذر حبة في الأرض فليبذرها، ومن قدر أن يعطى درهماً واحداً فليبذ له ولايستقله، ولايبالي سخرية الساخرين " } الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { التوبة:79 ( [51]).

3- تغيير المسار لا تغيير النظام :
هذا هو السنة التي قام عليها التشريع الإسلامي، ولتغيير البشر في الكون وهو سنة تسمى بسنة الإطمئنان لأن الكثير يخاف من العكس , وإذا أردنا أن نحقق مانريد من الإصلاح الذي هو إسعاد الناس فعلينا أن نفقه الفرق بين الإستراتيجية البعيدة الثابتة وبين التكتيك المرحلي المتغير ( [52]).

4- البلاغ المبين :
والمعنى المطلوب من صياغة عبارة ( البلاغ المبين ) وجعلها قاعدة من قواعد الإصلاح يكون ذلك من خلال المفاهيم الآتية :-
أ‌- الفهم العميق لخطاب الله سبحانه وتعالى في مذهبيته التوحيدية ورسالته الإستخلافية, وتعد هذه الغاية مرحلة من مراحل البلاغ المبين نسميها : بـ( مرحلة فهم الخطاب الإلهي ).
ب‌- الفهم العميق لسنة النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) وفلسفته في البلاغ المبين ومنهاجه في الهداية، ومنهجيته في تطبيق الاسلام وبنائه واقعياً، وتعتبر كذلك هذه الغاية مرحلة من مراحل البلاغ المبين نسميها بـ( مرحلة فهم النموذج التطبيقي للإسلام ).
ت‌- الفهم المستوعب للسنن الالهية التكوينية والتاريخية التي تتحكم في البلاغ المبين وفي بناء الدعوات الحضارية، وتعتبر هذه الغاية كذلك مرحلة من مراحل البلاغ المبين ونسميها بـ(مرحلة السير في الأرض والوعي السنني).
ث‌- الفهم العميق لطبائع المراحل الحضارية التي مرت، وتمر بها البشرية بغرض فهم صيرورتها فوق الكوكب الارضي , ونسمي هذه المرحلة من مراحل البلاغ المبين بـ( مرحلة فقه العمر الحضاري للإنسانية ).
ج‌- الفهم المستوعب للواقع المحلي والعالمي, وفي تركيبه وبنائه وتاريخه ونسمي هذه المرحلة البلاغية بـ (مرحلة فهم الواقع القائم والخبرة التاريخية والمستقبل المنشود للبشرية ).
ح‌- الفهم العميق لمنهاج بناء البلاغ المبين في الواقع الحياتي للناس، وتعد هذه المرحلة البلاغية مرحلة تطبيقية تنتج عن الوعي المتحصل في فهم المراحل السابقة، ومحاولة إستخدامها في مشروع إجتماعي عملي ونسميها بـ(مرحلة البناء الحضاري) ( [53]).
5- المشاركة لا الإحتكار :
إن من أكبر ضمانات إستمرار العملية الإصلاحية بكامل فاعليتها ما إعتقد القائمون عليها والموالون لها , إنهم ليسوا أصحاب الحق الوحيد في التواجد على مسرح العمل الإسلامي مهما حفل تأريخهم عن إنجازٍ، وقدمّوا من جهد وبذل أو نالوا من إبتلاء وأبلوا من جهاد أو قدمّوا من رجالات وآثار، وإنّما بالقناعة بأنهم شركاء لا أوصياء، وبالقناعة بأهمية وجود الآخرين، ومن أهمية عطائهم، وبتقدير هذا العطاء ومن خلال تسديد الخطى وإقالة العثرات وسترالعورات، وبمعنى آخر بالعمل على زيادة فاعلية المشاركة وتدعيم المواقف،وبالإستفادة من القناعة بالمبدأ الشافعي المقر بالتعددية في أفق الحضارية (( رأي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيرى خطأ يحتمل الصواب)) ( [54]).

6- البناء قبل الإحتجاج:
قال تعالى: } وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ { التوبة:105، وفي الحديث (( من قال هلك الناس فهو أهلكم )) ( [55]).
يجب أن يتقن المصلحون أولاً فن البناء، لا فن الإحتجاج والتشكّي، وإلقاء اللوم على الآخرين، من خلال إدعاء إنقطاع الأمل وقلة الخير وكثافة الظلام وعموم البلوى وتقصير الآخرين، كما يجب فن المبادرة بالعمل والإمتثال وفن القدوة في القول والعمل والسلوك والعطاء والإخلاص والإحسان والإبداع والصبر والمثابرة، والإيثار وإنكارالذّات، ومحاسبتها، قبل كل شئ. ( [56]).

7- التوفيق بين الأصالة والمعاصرة:
التوفيق بين المنبع الجاري في زمن الحال، ولا يمكن بدون هذه القاعدة من إستفادة للعملية على صعيد الواقع، وبدونها لا يمكن الإستفادة من الآليات الجديدة في عالم التكنولوجيا، مع ان الحكمة وما فيها ضالة المؤمن متى كان، وأمن كان، وحاشا لدين الإسلام أن لا يتدخل في الآليات الجديدة المرئية والمسموعة والمقروءة، ولا يُغنى داعيَ الإصلاح عن إستخدام هذه الوسائل وهذه حقيقة لا تنكر.
" اننا هنا بحاجة شديدة إلى رجال أفذاذ وعلى مستوى الإجتهاد في العلوم الشرعية، وعلى المستوى المناسب في فهم الواقع ووجهته الحضارية، ومشكلاته المعقدة، ومن ثم القدرة على التنزيل المحكم للتشريع، وعلى مستوى الزمان والمكان بكل الظروف والمتعلقات ما إستطاعوا إلى ذلك سبيلاً " ( [57]).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق