الثلاثاء، 2 مارس 2010

التكافل (2 )


مصادر تكافل الأفراد( 2 )
* الوصية :
من مصادر التكافل الوصية ، وهي أن يُوصى المسلم قبل وفاته بقدر من ماله لا يزيد علي الثلث لأعمال البرِّ والخير ، والوصية ثابته بالقرآن و السنة ، قال الله تعالي {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} البقرة.
0والوصية صدقه من الله للعبد ليزيد بها حسناته ، فقد روى ابن ماجة فى سُننه     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ } ورواه الامام أحمد ، والطبرانىّ ، وابن أبى شيبة ، وحسنه الألبانىّ .
-فالانسان في أمسِّ الحاجة إلي أن يختم حياته و أعماله بعمل صالح،يقرِّبه إلى الله تعالي، أو يدرك به ما فاته من الحسنات؛ولذللك شُرِعت الوصية،فإذا لم يكن لنظام الميراث أن يستوعب كل الأقارب المحتاجين إلى التكافل في محيط الأسرة،جاء دور الوصية لتحقيق التكافل لكل من لم يثبت له حقٌّ في الإرث.التكافل الإجتماعىّ لمحمد بن أحمد الصالح
* وترغيبا في التكافل و زيادةً في العمل الصالح من المسلم و مراعاةً لحق الضعيف و المحتاج من ابناء الأسره يحثُّ النبي علي الوصية فيقول كما رواه البخارىّ ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخارىّ  : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ } .                       - فجعل النبي الوصية من الحق الثابت علي كل مسلم عنده ما يوصي به ، ليضع البذر الصالح للتكافل الإجتماعي وتراحم المسلمين وتعاطفهم علي أقربائهم وقيامهم بما يلزمهم ويصلح معاشهم ولا سيما أرباب الحاجه والمُعْوزين منهم ؛
ولذا قال طاووس : من أوصي لأجانب وله أقرباء – مُعْوزين - انتُزِعت الوصية ورُدَّت للأقرباء .
* العارية :
والعارية من أعمال البر والخير تعمق معني التكافل بين بني الإنسان إذ لا غني لهم عن الإستعانه ببعضهم والتعاون فيما بينهم ، و العارية إسم لما يعار مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء. وقد عرف السرخسي والمالكية الإعارة بأنها : تمليك المنفعه بغير عوض وعرفها الشافعيه والحنابله : بأنها اباحة المنفعه بلا عوض .
- ( وقد تكون العارية واجبه في بعض الأحيان إذا احتاج انسان من أخيه شيئًا تتوقف عليه حياته فهنا يجب إعارته اياه واذا امتنع يكون آثما )
- وقد ذم الله تعالي في سورة الماعون من يمتنعون عن اعانة الناس بما لديهم قال تعالي: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } الماعون .
قال الطبرىّ: يمنعون الناس منافع ما عندهم، وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته، يُقال للماء الذي ينزل من السحاب ماعون . جامع البيان في تأويل آى القرآن
*فإذا كانت العارية في كثير من صورها نوعا من انواع التبادل إلا ان هذا التبادل النّفعي بين أفراد المجتمع يولد نشاطا تكافليًّا قلَّما نجده في مجتمع آخر .
-و مما لا شك فيه أن هذا التعاون بين أفراد المجتمع يثمر المحبة و الألفة بين الناس جميعًا ويبنى مجتمعا متين الأساس قوىّ البنيان .

* الكفّارات :
والكفّارات عُقُوبات قدَّرها الشارع الحكيم عند ارتكاب أمر فيه مخالفة لأوامر الله تعالى،وهذه الكفّارات تكون بالنسبة للأغنياء صدقات مالية.التكافل الاجتماعى للشيخ أبو زهرة.
ومن ذلك: من أفطر فى رمضان عاجزًا عن الصيام، ولا قدرة له على أدائه فى المستقبل لشيخوخةٍ أو مرضٍ مزمنٍ...، ومن حلف على أمر يريد أن يفعله، ثم حنث فى يمينه ولم يفعله...، ومن ظاهر من امرأته...، وغير ذلك.
0ولا شك أن هذه العقوبات المالية مآلها إلى الفقراء الذين ينتفعون بها .
0وهكذا جعل الإسلام كفّرة كثير من الذنوب إطعام الفقراء والمساكين أو كسوتهم، وفى ذلك نفع لهم، وسدٌّ للحاجة الطّارئة، وجبر للخلل الجتماعىّ الذى قد يكون بعد جمع الزّكاة أو لعدم علم ولىّ الأمر بحال أولئك الفقراء، وهذا بلا شكّ باب للتكافل الاجتماعىّ للعاجزين أن يُعلما بيت المال بحالهم تعفّفًا وصونًا لماء وجوههم، تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا.التكاغل الاجتماعى لعبد العال أحمد عبد العال
* الأضاحى :
تُعدّ الأضاحى أحد موارد التكافل ؛ حيث يتمُّ التوزيع منها على الفقراء والمساكين، والتوسعة عليهم وإدخال السرور على قلوبهم بإطعمهم من لحومها فى أيام العيد؛
قال الله تعالى : [ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)  ] الكوثر . وذلك ليتحرّ ى المسلم فى احتفاله بالعيد عن ذوى الحاجة والبائسين من أقاربه أو مواطنيه، فينضح عليهم من معين برِّه، ويخفف عنهم ألم حرمانهم، ويشركهم فى فرحة العيد، وبذلك أيضًا يشعر الفقراء أنهم من الجماعة، لهم عليها أن تتذكّرهم وترعاهم، فيُجدّد الفقراء حبّهم للأغنياء، وثقتهم بهم، والتفافهم حولهم، كما يجدّد الأغنياء وفاءهم وودادهم لأحبائهم وأقاربهم المحتاجين.
0والأضحية بهذا تمثّل رافدًا قويًا من روافد التكافل، وتزيد من أواصر التقارب والتآلف بين أفراد المجتمع المسلم .
* الصّدقة :
0إن الإسلام العظيم قد عالج مشكلة الفقر ووضع لها حلولًا كثيرة ليُخرج لنا مجتمعًا متكافلًا راضيًا؛ فالفقير الذى تطحنه الحياة ولا يجد ما يسدُّ به رمقه، ويرى فى مجتمعه أغنياء متخمين يُبَعثِرون أموالهم هنا وهناك قد يؤدى إلى التشكُّكِ فى عدالة التوزيع الإلهى للأرزاف، وهذا بدوره يؤدى إلى فساد الإعتقاد والسلوك.
0من هنا اهتمَّ الإسلام بالفقير وشرع الزكاة لتكون واجبًا عمليًّا ضروريًّا يُخرجه الغنىّ لكفالة جاره الفقير فى المجتمع المسلم، وكانت الصّدقة زيادةً فى البرّ والعطاء؛
ولذلك تجد النّصوص الشرعية قد أكّدت على أهمّية الإنفاق فى سبيل الله وضرورته لإحياء روح التكافل بين أفراد المجتمع؛ ففى صحيحى البخارّى ومسلم واللّفظ للبخارىّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ...وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ }.
0حكوا عن الإمام اللّيث بن سعد: أن أمواله كانت تُدرُّ عليه كل يوم ألف دينار، ومع هذا قالوا : إنه لم تكن تجب عليه زكاة؛ لأنه لم يكن يدعها حتى يحول عليها الحول، بل يتصدق بكل ما جاءه من مال، وينفقه فى سبيل الله. وقالوا كان الليث لا يتكلم كل يوم حتى يتصدق على ثلاثمائة وستين مسكينًا. وحُكى أن امرأةً سألته عن عسل فأمر لها بزِقٍّ منه، فقيل له إنّها كانت تقنع بدون هذا. فقال: إنّها سألت على قدر حاجتها، ونحن نعطيها على قدر نعمة الله علينا.الإحياء لحجّة الإسلام الغزالى .
*أبواب أخرى واسعة :
ولم يقف الإسلام عند هذا الحدّ بل فتح أبوابًا واسعة للتكافل بين أفراد المجتمع وحثّ عليها ودعا إليها، ووعد فاعلها بالثواب الجزيل؛ على سبيل المثال لا الحصر :
الإطعام... والوليمة... والعقيقة... والوكيرة... والنقيعة... والوضمة... والعذيرة...والمزارعة... والمساقاة...؛
وهذه بعض مصادر التكافل فى الإسلام، والتى تدل دلالة واضحة على حرص الإسلام على ترابط المجتمع وتكافل أبنائه فيما بينهم، وفى ذلك توثيق لروابط المحبّة والمؤاخاة بين أفراده فيشعر فيه الجميع بالأمن والأمان .

التّكافل ركنٌ من أركان أسرتنا

*يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المُثُل العليا ويقوّى روابطهم، ويرفع أخوّتهم من مستوى الكلام والنّظريّات إلى مستوى الأفعال والعمليّات. فاحرص يا أخى أن تكون لبنة صالحة فى هذا البناء الإسلام. الإمام الشهيد حسن البنّا
0وأركان هذا الرباط ثلاثة فاحفظها واهتمّ بتحقيقها حتى لا يكون هذذا تكليفًا لا روح فيه :
1 0التعارف .....
20 التفاهم .....
30 التّكافل:  هو الركن الثالث: فتكافلوا، وليحمل بعضكم عبء بعض، وذلك صريح الإيمان ولبّ الأخوة، فليتعهد بعضكم بعضاً بالسؤال والبر، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وتصوروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يمشى أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدى هذا شهرًا)، (من أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم ير الله له جزاءً دون الجنة ) والله يؤلف بين قلوبكم بروحه إنه نعم المولى ونعم النّصير .مجموعة الرسائل.
والتكافل كما دلت عليه وثائق الجماعة وممارسة افرادها لهذا التكافل فى ظل الأسرة ركن هام من أركان نظام الأسر الثلاثة . والأصل الشرعى لهذا الركن يفهم من قوله تعالى : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77))الحج . ومن قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )الفتح29. ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم  { الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } ،وقوله :  {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى}وقوله :  { انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ} رواه الإمام البخارىّ عن أنس .
وقوله صلى الله عليه وسلم: { لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ} رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة.
وقوله : { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}رواه البخارىّ ومسلم عن ابن عمر.
والتكافل فى الجماعة يكاد يكون أبرز ما يميزها عن الجماعات الأخرى ، فإن سماحة كثير من الإخوان بمالهم وجهدهم ووقتهم من أجل إخوانهم ، كانت مضرب المثل ، حتى فى أحلك الظروف التى مرت بهم داخل السجون والمعتقلات . والتكافل فئ الجماعة يعد نتيجة طبيعية للتعارف إن تم على وجهه ، وللتفاهم كذلك ، والمقصود بالتكافل بعامة هو : أن يحمل الأخ أخاه عند الحاجة أو الشدة وهذا أصل من أصول الدين كما ذكرنا انفا من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته .
وللتكافل مراحل ودرجات نشير إليها فيما يلى :
:1 -  بدايته التحاب والألفة والمودة والتراحم ،
2 - : ثم التعاون فى كل ما من شانه أن يحتاج لتضافر الجهود .
:3 -  ثم التناصر ، إن كان الأخ المسلم ظالما أو مظلوما ،
:4 –  ثم التكافل على مستوى الأسرة نقيبها وأفرادها ؛. وقد دلت وثائق الجماعة وما كتبه عنها الكاتبون ، على أن درجات هذا التكافل ومراحله ، قد مارسها أفراد الجماعة باستمرار خارج السجون وداخلها ، وأن أشد الحكومات بطشا وظلما لم تستطع أن تقضى على هذا الركن الأساس من أركان نظام الأسر ، بل إن بعض صحف حكومة الظلم والطغيان نشرت أن قضية من القضايا التى أقامتها الحكومة على الجماعة داخل سجن أبى زعبل فئ محنة عام 1965 م كانت تقوم على اتهام الإخوان بالتكافل داخل السجن !!!
وإن أعدادًا كبيرة من أفراد الإخوان حكم عيهم بالسجن لم لأنهم تكافلوا مع عائلات المعتقلين والمسجونين من الإخوان ، وكان شائعا أن من تبرع بخمسة قروش لعائلة اعتقل عائلها أو سجن يحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنين ، والعشرة قروش بعشر سنين ،وهكذا فى محاكمات الطغيان والعبث بالقيم الفاضلة ومحاولة القضاء على النخوة والشهامة فى المجتمع المصرى عام 1965 م ، فهل منع ذلك الإخوان من التكافل؟؟ ، إن وثائقهم تقول : لا ، وإن تاريخهم يقول : لا ، وإن كتابات أعدائهم قبل أوليائهم لتؤكد ذلك .
ولعل من أقوى الأدلة على تكافل أفراد الجماعة ، أن الضربات الحاقدة على الإسلام والمسلمين التى وجهت إليهم فى معظم البلدان العربية لم تنل من عزيمتهم ، ولم تصرفهم عن تحابهم وتعاونهم وتكافلهم ، فى أحلك المحن وأقسى الظروف .  وسائل التربية للدكتور على عبد الحليم محمود.
و إذا كان التعارف هو شعار الإسلام والتفاهم عمُودُه فإن التكافل هو روح هذا الدين العظيم الذي جعل سعيك علي حاجة أخيك المسلم خير من اعتكافك للعبادة في أشرف البقاع و أطهرها – في مسجد النبي صلي الله عليه وسلم – شهرًا وهكذا يحرر الإسلام معني العبادة إلي أفاق أرحب و فضاءات أوسع حيث يجعل كل عمل يعود علي المسلمين بنفعٍ عبادة قد يفوق ثوابها ثواب الراكعين الساجدين.
وعندما قال الإمام البنّا : وليحمل بعضكم عبء بعض :
فالعبء ليس مقصودا به فقط العوز و الفقر في المال بل يشمل ما هو أعمّ من ذلك إذ يعني كل ما ينوء الأخ عن حمله  فكثير من الناس لا تحرك فيه الضوائق المالية شعرة إلا أنه يكاد ينهزم أو يقتلع من جذوره إن أصيب بهمّ ، أو فقد حبيب؛ وهنا يأتي دور التكافل و تبرز شمائل الأخوة فيجد الأخ بجواره إخوانه يحملون همه و يفرجون بعون الله كربه ، بل الأمر غير ذلك أيضا حين يكون العبء أحمالًا علي كاهل الأخ  أو ضيقًا في وقته أو فقرًا في إمكانياته العقلية أو مواهبه أو نقصًا في علمه أو خللًا في خلقه أو رِقّة في إيمانه أو حاجة لولده وبيته .
ويحدّد الإمام طرق التكافل بداية بتعاهد السؤال أي بتكراره و الإلحاح عليه ثم بالبر وهو فعل كل خير إلي الأخ سواء طلب الأخ أم لم يطلب وأن يؤثر الأخ أخاه و هذا أعلى درجات الأخوة. وستظل هذه الكلمات حبرا علي ورق إن لم تنفذ علي أرض الواقع، ولن يذوق معناها إلا من عاشها مجاهدًا فيها نفسَه، ملتمسًا أجرها من عند الله عز وجل.
وسيبقي المثال الذي ضربه الإخوان أيام الأزمات – في عهد عبد الناصر – من رعاية نفسية ومادية لأبناء الإخوان المعتقلين لمدد سنين طويلة تقترب من العشرين عامًا مثالًا فذا قد لا يُصدّقه إلا من عايشه .
وبفضل الله مازال الإخوان إلى يوم الناس هذا يضربون أروع المُثُل فى التكافل فيما بينهم؛ ويقدمون للمجتمع نماذج فريدة راقية؛
الإمام الليث بن سعد :
كان الإمام الليث بن سعد بجانب إمامته فى العلم من كبار التّجّار، وكانت تُدرّ عليه أموالًا كثيرة كما أسلفت، وإضافةً إلى فعله السابق فإنّه كان يصل ويكفل بماله كثيرًا من طلبة العلم وكبار العلماء، وهذا أيضًا من فقه الإمام، فربما يملك العالم وطالب العلم مشروعًا تنهض به الأمّة لكنه لا يملك المال الذى يساعده لإنفاذ مشروعه، فكان الإمام الليث يكفل لهم هذا الأمر؛ وما فعل النّبى صلى الله عليه وسلم مع أهل الصُّفَّة عنّا ببعيد؛
0 روي عن حرملة يقول كان الليث بن سعد يصل مالكًا بمائة دينار في السنة فكتب مالك إليه علي دين فبعث إليه بخمس مائة دينار؛ فسمعت ابن وهب يقول كتب مالك إلى الليث إني أريد أن أدخل بنتي على زوجها، فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر، فبعث إليه بثلاثين حملًا عصفرا فباع منه بخمس مائة دينار وبقي عنده فضله .
0قال صالح بن أحمد الهمذاني: قدم منصور بن عمار على الليث فوصله بألف دينار، واحترقت دار ابن لهيعة فوصله بألف دينار، ووصل مالكًا بألف دينار، وكساني قميص سندس فهو عندي.
**وهذا ما تفعله الأخوّة عندما تسرى روحها بين الإخوان، فيبرز التكافل فيما بينهم بكل أشكاله وصوره، فيعيش الأخ فى كنف الجماعة، وتحيا الجماعة بمساهمة الفرد؛
من أنواع التكافل وصوره 
أولاً: التكافل الأدبي.
وهو شعور كل فرد نحو إخوانه في الدين بمشاعر الحب والعطف والشفقة وحسن المعاملة، ويتعاون معهم في سراء الحياة وضرائها، ويفرح لفرحهم ويأسى لمصابهم ويتمنى لهم الخير، ويكره أن ينزل الشر بهم، وقد دلّ على ذلك المعنى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه البخارىّ ومسلم عن أنس واللفظ لمسلم .
ثانياً: التكافل العلمي.
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على طلب العلم فقال: « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ »   رواه بن ماجة والطبرانىّ والبيهقىّ وقال الألبانىّ صحيح .
وبيّن ثواب مُعلِّم الناس فقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ » رواه ابن ماجة عن أبى الدرداء وقال الألبانىّ صحيح.
وقال « إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» رواه الترمذىّ والطبرانىّ وقال الألبانىّ صحيح
كما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من كتمان العلم فقال: « مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» رواه الإمام أحمد والحاكم وقال الأبانىّ صحيح.
فالتكافل العلمي هو أن يعلم العالم الجاهل، وعلى الجاهل أن يتعلم من العالم.
فإذا كان من حق أي مجتمع أن يسمي نفسه بالمجتمع المثقف، فمجتمع الإسلام هو أول من يطلق عليه هذا الوصف، وذلك لتكافل أفراده جميعاً للقيام بواجب العلم وإزالة آثار الجهل.
قال الدكتور عبد الفتاح عاشور: (ومثل هذا اللون من التكافل يحتم على أمة الإسلام تيسير سبل العلم لكل طالب، وتشجيع أهل العلم وحث الجهلة على التعلم، وإتاحة الفرصة لكل متفوق، وتكاتف أفراد المجتمع فيما بينهم على إزالة آثار الأمية والجهل.(
ثالثاً: التكافل السياسي.
وهو تحمل كل شخص لتبعة الحكم وتوجيه السياسة العامة للدولة، وذلك بالمشاركة في الرأي، وإبداء المشورة، وهذا التكافل قد يكون عن طريق نواب يختارهم الشعب لإبداء الرأي، وتوجيه سياسة الحكم، أو عن طريق المشاركة الفعلية بين الحاكم والمحكوم.
قال الدكتور عبد الفتاح عاشور: (ليست الأمة ملكاً لأحد بعينه، وإنما هي لواء يستظل به الجميع، فلا استبداد برأي ولا اعتداء بمنصب، إنما يقوم مجتمع الإسلام على العدل والشورى والمساواة الكاملة بين الحاكم والمحكوم).
فكل شخص له حقه السياسي، وله حقه في المراقبة والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه مسؤول عن مستقبل الأمة، ويؤكد ذلك قول النبىّّ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» رواه أبو داوود والنسائى وقال لألبانىّ صحيح .
رابعاً: التكافل العبادي.
هناك في الإسلام شعائر وعبادات يجب أن يقوم بها المجتمع ويحافظ عليها، كصلاة الجنازة، فإن الميت إذا مات وجب على المجتمع تكفينه والصلاة عليه ودفنه، فإن لم يقم بذلك أحد أثم المجتمع، وهو ما يسمى فرض الكفاية في العبادات.
ومثل ذلك إقامة الجمعة، وإقامة صلاة الجماعة في الأوقات الخمسة وغير ذلك من العبادات التي تقوم بأداء الجماعة.
وهذه الصورة من تكافل المجتمع وتعاونه في أداء العبادات هي سمة بارزة من سمات المجتمع المسلم
خامساً: التكافل الأخلاقي.

ويقصد به حراسة المبادئ الأخلاقية السامية النابعة من عقيدة المؤمنين، وحماية المجتمع من الفوضى والفساد والانحلال، ولهذا وجب على المجتمع المسلم أن ينكر على مرتكبي المنكرات الخُلقية وغيرها، ولا يعتبر ذلك تدخلاً في الحرية الشخصية، إذ ليس معنى الحرية أن تفعل ما تشاء دون قيود أو حدود، وإنما مشروط فيه عدم إيذاء الغير أو الاعتداء على نظام حياة الجماعة، فإن وجد من فعل ذلك تكاتف المجتمع وتعاون في القضاء عليه.
قال الله تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)]   التوبة .      
وقال رسول الله: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه الإمام مسلم عن أبى سعيد .
*وقد ضرب النبىّ مثلاً رائعاً في التكافل الأخلاقي بين المسلمين، وأنه يجب على المسلمين أن يأخذوا على أيدي العابثين والمفسدين؛ ما رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير عن النبىّ قال: « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» .
سادساً: التكافل الاقتصادي.
يُولي الإسلام عنايته الكبرى باقتصاد الأمة، ومعنى التكافل الاقتصادي : أن يتعاون الجميع في المحافظة على ثروات الأمة سليمة تؤدى دورها الطبيعي في خدمة الحياة .
ويعمل المجتمع على حفظ ثروات الأفراد من الضياع والتبذير، كما يمنع سوء استعمال الاقتصاد من التلاعب بالأسعار والغش في المعاملات والاحتكار.
قال رسول الله: «  مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ » رواه الإمام مسلم عن مَعْمَر .
إلى غير ذلك من أنواع أخرى ينبغى أن تسود المجتمع ليكون مجتمعنا على شاكلة مجتمع النبىّ وصحابته الكرام،.
هذا وقد استفدت فى إعداد هذه المادة من كتب وأبحاث منشورة على الشبكة الدولية، جزى الله أصحابها خيرا، كما استفدت استفادة كبيرة مما كتبه الدكتور راغب بهذا الخصوص أيضا حفظه الله ورعاه؛
والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ؛ والله أعلى وأعلم وأعزّ وأحكم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق