الاثنين، 8 مارس 2010

رؤية إسلامية للتكافل 2


التكافل الشتوي       ....                    بقلم: د. رشاد لاشين
أخي المسلم الحبيب: مع قدوم الشتاء ببرده القارص وصقيعه الضارب.. يا مَن أنعم الله عليك بالملابس الواقية والأغطية الكافية والأغذية الوافرة التي تمُد بالطاقة وتحمي من الأمراض لا تنس أن هناك إخوةً لك في الدين أبناء الجسد الواحد لأمتنا الحبيبة؛ يعانون لسع البرد ويرتجفون من ضرباته ويسهرون الليالي من شدة الصقيع وتضور الجوع وآلام أمراض البرد ونزلاته.

هيا أخي الحبيب: نؤدي شكرَ نعمة ربنا علينا بالعمل وليس بالكلام: ﴿اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ:13) .. ساهم في حماية إخوتك من البرد وشروره.
هيا أخي الحبيب: نهتم بشئون إخواننا المسلمين فإنه: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وأخوك المسلم يتلفت يمينًا وشمالاً من عَوَزه وحاجته فهل تكون عونًا له؟
وصية عمر الشتوية
هيا نعمل بوصية سيدنا عمر بن الخطاب الشتوية؛ حيث كان يتعهد أمة الإسلام كلَّ شتاء ويكتب للرعية بهذه الوصية: "إن الشتاء قد حضر وهو عدوٌ فتأهَّبوا له أُهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا (وهي ما يلي البدن) ودثارًا (الملابس الخارجية) فإن البرد عدوٌ سريع دخوله بعيدٌ خروجه).
هيا أخي الحبيب: ساهم مع إخوانك المسلمين في حيِّك بشراء بطانية لأخيك المحتاج، أو ادفع جزءًا من ثمن بطانية، أو تعاون مع إخوانك بجمع البطاطين القديمة.
هيا نقوم بتنشيط هذا المشروع في مساجدنا، ولينطلق رواد كل مسجد بهذه الحملة الخيرية بالتعاون مع الموسرين وأهل الخير، وليسع كل إمام وخطيب فاضل إلى تبنِّي هذا التكافل بين أبناء حيِّه، ويشجع الناس من خلال الخطب والدروس على رعاية إخوانهم وقضاء حوائجهم. 
مسجدنا منبع الخير ومحطة العطاء
- هيا ننطلق سويًا- نحن رواد المسجد- فنتبرع نحن أولاً بما نستطيع، ثم نقوم بحملة لجمع التبرعات فنمر على الموسرين وأصحاب المحلات وأهل الخير.

- هيا نجمع في مسجدنا الأموال الخاصة بشراء البطاطين، ولنعرِّف أبناء الحي بأن في مسجدنا صندوقًا خاصًا لشراء البطاطين، وكلٌّ يساهم على قدر استطاعته. 
- هيا نجعل مسجدنا محطةً خيرية، فنجمع في ركن منه البطاطين والملابس الشتوية والأغطية والجوارب والمفروشات وحتى المدافئ- إن أمكن- وكل بيت لا يخلو من بعض هذه الأشياء وخاصةً (لحاف العروسين) الذي قليلاً ما يُستخدم وأصبح مجرد تقليد أن يكون في تجهيز العروسين لحافان نادرًا ما يتم استخدامهما!! فلماذا لا نتبرع بهما أو بواحدٍ منهما على الأقل؟. 
- هيا ندفع عن أنفسنا الجهلَ ونتعرف على أبناء حينا المحتاجين المتعففين الذين قال عنهم الله تبارك وتعالى:﴿ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (البقرة من الآية 237).
 - هيا نتعاون سويًا نحن رواد المسجد فننظم هذه البطاطين وهذه الملابس والمفروشات ونعدُّها في أجمل صورة ونقوم بتوزيعها على المحتاجين بطريقةٍ لائقة تحفظ ماء الوجه، وبلا مَنٍّ ولا أذى كما علمنا الله تبارك وتعالى.
 أخي المسلم العطوف المحب للخير: لا تحقرن من المعروف شيئًا، فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "اتق النار ولو بشق تمرة"، فهيا نتقي زمهرير جهنم وبردها الرهيب بمساعدة إخواننا بكل ما نستطيع.
 وقانا الله وإياكم برد الدنيا وزمهرير جهنم، وتقبل الله منا ومنكم، وكل شتاء وأنتم بخير وعز وطاعة.
خزانة فلسطين الفارغة ووجوب التكافل الاجتماعي  .. بقلم: فوزي منصور
بعد الفوز الكاسح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين في الانتخاباتِ التشريعيةِ وتشكيلها الحكومةِ الفلسطينيةِ أرادَ المتربصون بالإسلام شلَّ حركة هذه الحكومة حتى تفشل؛ لأنهم يعلمون أن نجاح هذه الحكومة معناه تقويض الأطماع الصهيونية وتطهير الأرض الفلسطينية من رجس الاحتلال الصهيوني، كما أرادوا معاقبة الشعب الفلسطيني على اختياره الحرّ لبرنامج الحركة فاتبعوا معه سياسة التجويع وأغلقوا المعابر، وحاربوه في لقمة عيشه، هذا بالإضافة لما صرَّح به رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية بأن وزير الاقتصاد الفلسطيني قد ورث "خزانة فارغة بل ومثقلة بالديون".
 ونحن هنا سوف نتحدث عن وجوب التكافل الاجتماعي بين المسلمين، مدعَّمًا بالأدلة من الكتاب والسنة، كما نتحدث عن عقوبة التقصير في هذا الحق، والله أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والنفع لأمتنا. 
التكافل سمة من سمات هذه الأمة
لقد سبق الإسلام كلَّ نظريات الأرض وكلَّ مَن يتحدث عن حقوق الإنسان بأن جعل ربع ما تُحصِّله الدولة من أموال الزكاة للفقراء والمساكين، وشعب فلسطين في هذه الأيام التي لا يجد فيها رغيفَ الخبز يُعتبر تحت خط الفقر، وبالتالي فمِن حقه أن يحصل على أموال الزكاة، كما يجب على الدول الإسلامية جمع الزكاة وإرسال جزءٍ منها إلى شعب فلسطين، ووالله لو أخرج كل غني زكاة ماله ما وجدنا مسلمًا جائعًا، فما جاع فقيرٌ إلا ببخل غني. 
كما يجب أن يتحقق التكافل بين المسلمين على أعلى مستوياته وبين الدول بعضها البعض؛ ولنضع نصب أعيينا أن فعلَ الخير من سمات هذه الأمة، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(77)﴾ (الحج).

وكلمتا البر والخير في القرآنِ كلمتان يجتمع فيهما كل الخصال الطيبة، والمطلوب من المؤمن ومن أمةِ الإسلام أن تفعل الخير على الإطلاق.. الخير المطلق لجميع الناس، ومن الخير العام في القرآن الكريم جانب العطاء، والمسلم من مميزاته هذا الجانب، جانب العطاء، كما أن العطاء دليلٌ على صدق الإيمان، كما نلاحظ أن جميع الآيات التي بها أمرٌ بإقامةِ الصلاة جاءت مقرونةً بإيتاء الزكاة.. ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (البقرة: من الآية43). 
فهناك تلازم بين الصلاة والزكاة، فالعطاء دليلُ الإيمان؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "السخي قريبٌ من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيدٌ عن النار، والبخيل بعيدٌ عن الجنة بعيدٌ عن الناس قريبٌ من النار ولَجاهلٌ سخي أحبُّ إلى الله من عابدٍ بخيل". 
والمسلم ليس مطلوبًا منه فقط أن يؤدي فريضةَ الزكاة؛ بل حثَّ الإسلام على كثرة الصدقات، ووعد المنفقين بالخير الكثير، فما بالكم في حالة حدوث مجاعة لشعب من الشعوبٍ المسلمة، كما هو الحالة لشعب فلسطين،  شعب كان يأتيه الدعم من غير المسلمين ثم امتنعوا عن دعمه، أفلا يقف بجواره كل مسلم على ظهر هذه الأرض؟! والله سبحانه وتعالى سوف يحاسبنا على تقصيرنا في حقِّ هذا الشعب، بل اعتبر النبي- صلى الله عليه وسلم- من يَبيت شبعان وجاره جائعٌ وهو يعلم ناقصَ الإيمان؛ فقال: "والله لا يؤمن، من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم"، وشعب فلسطين جارٌ لنا جميعًا، ونحن نعلم أنه جائعٌ فكيف يطيبُ لنا العيش وأكل ما لذَّ وطاب من الطعام وهو لا يجد لقمة العيش؟! 
ولنتذكر جميعًا حديثَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته" (رواه أحمد)، فإنْ نصرنا إخواننا بأموالنا ووقفنا بجانبهم أمام هذا المحتل الجبان نصرَنا الله عزَّ وجل، وإلا فسوف تدور الدائرة علينا. 
منع الزكاة هلاك ودمار
ونختم بعقوبة تارك الزكاة؛ لعل المسلمين أن يفيقوا من غفلتهم ويُخرجُوا زكاة أموالهم، ويقفوا بجانب شعب فلسطين حتى ينصرَه الله عز وجل ويرفعَ عنه هذا البلاء. 
لتارك الزكاة عقوبتان؛ عقوبةٌ في الدنيا وعقوبةٌ في الآخرة، أما عقوبة الدنيا فهي مَحقُ البركة من هذا المال، بل الهلاك والدمار لهذا المال الذي لم تطهِّره الزكاة والحرمان من رزق الله عز وجل، كما حدث لصاحب الجنتين حين امتنع عن إخراج حق الفقراء؛ فكانت النتيجة ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا(42)﴾ (الكهف)، وكما حدث أيضًا لأصحاب الجنة حين رفضوا أن يعطوا الفقراء حقَّهم المعلوم؛ فكانت النتيجة ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20) فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ(21) أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ(22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)﴾ (القلم).. نحن ضللنا الطريق.. ليست هذه حديقتنا، ثم رجعوا ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(27)﴾ (القلم) هي هي لكننا حُرمنا رزقَ الله عزَّ وجل.. هذه عقوبة دنيوية للذي يقبض يده وينسى ربه ويحب الدنيا أكثر من حبه للآخرة، وينسى حق إخوانه الفقراء، وما يحدث اليوم للمسلمين من ابتلاءات وضياع أموال وخسارات هنا وهناك هو بسبب عدم تطهير هذه الأموال، فوالله لو طهَّر كل غني مالَه بإخراجِ الزكاة لنما مالُه وحلَّت فيه البركةُ وكَثُر الخير. 
أما العقوبة الأخروية فهي واضحةٌ في القرآن والسنة؛ ففي القرآن يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (التوبة: من الآية 34) لا يخرجون زكاتها ولا يتصدقون منها ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ تُؤتَى كاملةً إذا كانت فضةً أو إذا كانت ذهبًا أو إذا كانت أيَّ شيء.. ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ ويُقال لهم أثناء العذاب: ﴿هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (التوبة: 35). 
أما في السنة فيقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-:"من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوِّقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه- أي بشدقيه- فيقول: أنا مالك أنا كنزك" ثم تلا هذه الآية ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (آل عمران: من الآية180).
أهالي غزة يسطرون ملاحم التكافل الاجتماعي والصمود  .. غزة- كارم الغرابلي:
سطَّر الغزيون خلال العدوان الصهيوني والحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة أعوام أروع ملاحم الصمود والتكافل الاجتماعي، فما أن بدأت الحرب الصهيونية على غزة حتى هبَّت العائلات الغزية لنجدة ومساعدة شقيقاتها ونصرتها على مواجهة الهجمات الصهيونية التي لم يسلم منها الشجر والحجر والبشر.
 فعائلة الحاج محمود الشيخ من سكان حي الشجاعية جسدت صورةً نادرةً من التكافل؛ حيث اقتسمت منزلها الصغير لإيواء واستقبال عددٍ من العائلات التي اضطرت لإخلاء منازلها الواقعة على حدودِ شرق غزة خشيةً من التعرض لأي عدوان صهيوني. 
ورغم صعوبة الحال والوضع المادي الذي تعيشه عائلة الشيخ والمكونة من ثلاثين فردًا إلا أنها لم تتوانَ عن مدِّ يد العون والمساعدة للعديد من العائلات سواء بتوفير الطعام أو الشراب أو أماكن النوم والأغطية.
يقول الحاج الشيخ لـ"إخوان أون لاين": مد يد العون للأقارب والجيران واجب يمليه علينا الدين ويحثنا عليه النبي محمد صلى الله وعليه وسلم، ويتلو الشيخ قول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 2).
 وأعرب الشيخ عن استعداده لتقديم كل ما تحتاجه العائلات من العون والمساعدة، مشيرًا إلى أنه اقترح على أفراد أسرته مغادرة المنزل واستئجار آخر وتركه لإيواء بعض العائلات المشردة من جرَّاء العدوان الصهيوني.
وفي داخل منزل الشيخ كان يتجمع العشرات من الأقارب "نساء وأطفالاً" حول وجبة العشاء التي تقوم بإعدادها زوجته بشكلٍ يومي.
وأشار الشيخ إلى أنه لن يتوانى عن استقبال عائلات أخرى وإيوائها في حال شن العدو حرب جديدة، مشيرًا إلى أن بيته سيبقى مفتوحًا أمام الناس والمحتاجين.
وفي صورةٍ أخرى من ملاحم التكامل والتضامن الغزي لم يتوانَ المواطن أبو أيمن فرحات عن اقتسام خزانات المياه مع جيرانه الذين يعانون شح الماء بسبب توقف محطات الكهرباء والضخ أثناء فترة الحرب.
وأشار أبو أيمن إلى أنه شعر بحاجة جيرانه ولمس معاناتهم فقدم يد العون والمساعدة مضيفا: "اقتسمت خزانات المياه مناصفةً مع جيراننا مستذكرًا المثل الشعبي "اللي يتقدموا السبت بتلاقيه الأحد".
وأكد أبو أيمن أن الدين والواجب الوطني يحتم على المسلم أن يقدم يد العون والمساعدة لأخيه المسلم، مشددًا استعداد لتقديم روحه من أجل مسح دموع الأطفال والمشردين والمحتاجين.
ودفع الواجب الديني والوطني الحاج مصباح حسين من سكان حي الشجاعية إلى شراء شاحنة من الخضار ومواد الدقيق وتوزيعها على المحتاجين من عائلات الحي.. وقال الحاج حسين إنه استغل خلال الآونة الأخيرة إدخال الدقيق والخضار الصهيوني؛ حيث قام بشراء شاحنتين وتوزيع إحداها على الأسر المعوزة في منطقته فيما قام بإرسال الأخرى لإحدى المدارس التي يتجمع بها العشرات من العائلات المشردة.
وأضاف حسين لـ"إخوان أون لاين: "ما قمت به هو أقل شيء يمكن أن أقدمه لأبناء شعبي "مشيرًا إلى أنه يعرف الكثير من الأسر التي لم تذق طعم الخبز منذ عدة أسابيع بسبب عدم قدرتها على شراء الدقيق وعدم امتلاكها للنقود.
وفتحت عائلة عرفات في حي الشجاعية بيتها لاستقبال الآلاف من المواطنين للتزود بالماء التي يعاني منها الغزيون في الآونة الأخيرة؛ حيث تمتلك العائلة بئرًا للماء.
وقال عماد أحد أفراد العائلة: "إن عائلتي بادرت بفتح باب منزلها لاستقبال الناس بشكلٍ يومي للتزود بالماء "مجانًا" للتخفيف من وطأة المعاناة، ورغم تعرض المكان والبئر للقصف المروحي الصهيوني نظرًا لتجمع المواطنين إلا أن العائلة لم تستسلم وأصرَّت على مواصلة تقديم يد العون والمساعدة للأسرة المحتاجة.
ومن صور التكافل بشكلٍ واضحٍ هو قيام العائلات التي تقطن في مناطق بعيدة عن مناطق المواجهات والتوغل بفتح أبوابها أمام العائلات التي تقطن في مناطق المواجهات عندما تفر إليها، رغم أنه في الكثير من الحالات لا تجمع هذه العائلات صلة قرابة.
وخصص بعض العائلات دواوينه لاستقبال العائلات المشردة، ولا يتردد الجيران في مد يد العون للعائلات التي تؤوي الأُسر المشردة من مناطق القصف.
أبناء المعتقلين وإنجازات العهد المباركي .. بقلم: د. جابر قميحة

إن المجتمع الإسلامي يقوم على التعاون والتكافل وقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: من الآية 2).. وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ومن كلماته الخالدات- صلى الله عليه وسلم- قوله: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرأوا إن شئتم ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (الأحزاب: من الآية 6).. فأيما مؤمن ماتَ وترك مالاً فليرثه عصبته مَن كانوا، ومَن ترك دينًا أو ضياعًا فليأتني، فأنا مولاه".
وقد راعى الإسلام حقوق اليتيم، وحافظ عليها، وأمرنا أن نعامله معاملة طيبة رحيمة، فمن جوامع الكلم ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)﴾.. وأمر بالحفاظ على ماله وحقوقه الدنيوية، والمالية ومن الأقوال الحكيمة للقرآن في هذه المعاني قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (الإسراء: من الآية 34).. وتوعَّد بالعذاب الذين يعتدون على حرمة اليتيم وماله، فقال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)﴾ (النساء). وأمرنا بإصلاح شأنهم والإحسان إليهم وتقديم كل ما ينفعهم في دنياهم وآخراهم، وقد قال تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ..﴾ (النساء).
فالإساءة إلى المسلم- بصفةٍ عامة- يعد في الإسلام جناية يعاقب عليها المسيء، فإذا كان الضحية يتيمًا فإن العقاب يشتد ويشتد؛ لأنه لا ظهيرَ له، ولا قوة تدفع عنه.
ومن أبلغ ما قيل في الأمثال العربية تعبيرًا عن الحرمان "إنهم أضيع من الأيتام على موائد اللئام"، فاليتيم: يعيش حياته محرومًا من متطلبات الحياة المادية، وضروراتها من طعامٍ وشرابٍ، وكساءٍ، ومحرومًا كذلك من متطلبات الحياة المعنوية: كالشعور بالأمان، والطمأنينة والسلام.
وإلى هاتين الضرورتين أشار القرآن الكريم بقوله: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)﴾ (قريش)، وهذه طبيعة الإنسان الضعيف أو المستضعف، نضيف إلى ذلك أن مَن استضفوه أو نزل بهم، أو عمل عندهم قومٌ من اللئام، أي نحن في مقام ضعيف أو مستضعف، ومقام قوي لا يعرف الله، ولا يرعى حقًّا ولا ذمة ولا ضميرًا، فهو يتيمٌ لم يجد حقه، حيث يبسط اللئام، قوتهم ونفوذهم، وسيطرتهم.
ويقول رجال اللغة والفقه: إن اليتم الانفراد، واليتيمُ الفرد، واليتمُ واليتم فقدان الأب، ومعروفٌ- كما ذكرنا من قبل- إنه يترتب على هذا حرمانٌ من ضروريات متعددة، زيادة على الآلام النفسية، والشعور بالضياع الذي يعيشه اليتيم.
ونلجأ إلى المعاني المجازية في مجال السياسة، فنقول:- والواقع يؤيدنا- إن مصر من أيامٍ أن قامت الميمونة سنة 1952م، وهي تعيش في يتم حاد قاتم، وهي تعيش وحيدة بلا معين، وحكامها فرضوا "أبوتهم عليها" ولسان حال الواحد منهم يقول:                          أنا المليك عليهم  وهم العبيد إلى القيامة
والواحد منهم لا يخالف له عن أمر، ولا يقال له إلا على حدِّ قول الشاعر:
دعوا باطلاً، وجلوا صارمًا وقالوا صدقنا؟ فقلنا: نعم.
وكانت المجالس النيابية- وهي من المفروض أن تقوم على رعاية الشعب وتمثيله- تقف في صف الحاكم، لا ترفض له مشيئة، ولا إرادة، بل هي تسير في صفه، وتستجيب لهم بالحق والباطل، حتى إن الشاعر هاشم الرفاعي خاطب أحد الحكام عن مجلس من هذه المجالس فقال:
ها هم كما تهوى فحركهم دُمى               لا يفتحون بغير ما ترضى فما
إن لنعلم أنهم قد جُمعوا                    ليصفقوا إن شئتَ أن تتكلما
بالأمس كان الظلم فوضى مُهملاً              واليوم صار على يديك منظما
وجرد حكامنا المواطنين من كل قوة، ومن كل رأي، أو على حدِّ قول أحد الساسة: فرغوا المواطنين من الداخل، فأصبحوا من الداخل هواءً، وأصبحت قلوبهم هواءً، وأصبحت قوتهم هواءً، فهم كما قال الإمام علي: "أجسام بلا أرواح، أو أشباه رجالٍ ولا رجال"، وانتشرت الأمراض الاجتماعية من نفاقٍ، وجبن، وكذب، وسرقات، ورشاوى، وأصبح الفساد هو الأصل، والصلاح والتقوى والثبات والصراحة، هي الاستثناء.
كما تجرَّد المواطن المصري من قوة المعارضة، والثبات في المواقف التي تجابه الحكام وتتصدى لهم، وأصبح عنده ما يمكن أن نسميه "سرعة الاستجابة والموافقة المسايرة": فما قاله الحكام هو الحق، وما أنكره الحكام فهو الباطل.
مما دفع صاحب هذا القلم أن يتحدث إلى قلمه قائلاً:  
برئتُ منك إذا هادنتَ طاغية   دستورُهُ البغيُ والإجحافُ والغَشَمُ
السجنُ والقيدُ والعدْوانُ عدتُه   وشرُّ أعدائه الإسلامُ والقيمُ
يقتاتُ دمعَ الضحايا في زنازنهمْ   كأن أناتهمْ في أذْنِه.. نَغَمُ
ويدَّعي أنه للعدل ملجأهُ    وأنه للجياع الخبزُ.. والأدَمُ
وأنه عبقري العصر والعَلَمُ   ومثلَ فطنته لم تُنجِب الأممُ
وهْوَ الذي ذبحَ القانونَ منْ سَفَهٍ   وضجَّ مما جَناه الحِلُّ والحرمُ
له بطانةُ سوءٍ كم طغتْ وبغتْ    وهُمْ على الشعب دوْمًا نكبة عممُ
يأيهذا الذي ماتتْ بصيرتُه    حتى استوتْ عنده الأنوارُ والظلمْ
لقد غَدْوتَ كوحشٍ ناشَ إخْوتَه   ولم تَرق لمنْ كانتْ لهمْ رَحِمُ
رأيتُ نارَك في الأعداء باردةً    لكنْ علَى الأهل جمرٌ ساعرٌ.. حُمَمُ
لمثْل هذا تَصَدَ اليومَ يا قلمُ   وقلْ لهم: أيها الباغون ويلكمُ
فتحتَ هذا الرماد النارُ ساعرةٌ    وخلفَ هذا السكونِ العاصفُ العَرِمُ
حتى إذا جاء يومُ الهولِ وانطلقتْ   فيه البراكينُ والإعصارُ والضرَمُ:
تولت النكبةُ النكباء أمَرَكُمُ    كما جنت عادُ، أو ما حصَّلَتْ إِرَمُ
ولنْ يكونَ لكم في الأرض معتَصَمُ   ويومها ليس يُجدي الدمعُ والندمُ

وبعد أن جُرِّد المواطن من آدميته، ومن حقوقه، ومن مكانته في وطنه، وأصبح رهين السجون، والبوابات السوداء، ويُحاكَم أمام القضاء العسكري، بعد كل ذلك، يطلب منه أن يحمل الولاء للوطن وللحاكم، وأن يكون نموذجًا للإخلاص الدائم الذي لا ينقض.
وإن القلب لينزف دمًا وهو يرى الأطفال الصغار يتجهون إلى مقر المحكمة العسكرية، ليشهدوا آباءهم وهم يقدمون لهذه المحاكمات، وذنبهم أنهم عاشوا أطهارًا مخلصين للدين وللوطن، فلُفقت لهم التهم، وجردوا من حقوقهم الطبيعية في التمثيل أمام القضاء العادي، وحكامنا يقولون بلسان الحال عن هؤلاء الأشراف.. ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل: من الآية 56).
ولا عجبَ في ذلك فنحن في العهد المباركي الذي اختلت فيه المعايير، فتحوَّل الحق إلى باطل، والحلال إلى حرام، والرشوة تُدعى الآن هديةً وعطاء، ومعارضة الحاكم تعد خيانةً عظمى؛ لأنه رمز للوطن، وأهم ملمح من ملامح الأمة المصرية والعربية.
وإن الفضيلة التي تُسجَّل للعهد المباركي أنه اخترع- لونًا جديدًا- من ألوان اليتم هو "اليتم والآباء أحياء".. ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (آل عمران: من الآية 21).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق