الثلاثاء، 2 مارس 2010

التكافل ( 1 )


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
التكافل
اعداد فضيلة الشيخ / أحمد سعيد إمام و خطيب

يحرص الإسلام علي بناء مجتمع قوىٍّ قادر علي مواجهة التّحديات والأزمات المختلفه ، مجتمع حضارىّ راقٍ يرحم القوي فيه الضعيف، ويعطف الغني علي الفقير ويعطي القادرُ ذا الحاجة، كما يحرص علي بناء مجتمع أخلاقىٍّ متقارب و متحاب و متعاون علي الخير و فعل المعروف ، ومن ثَمّ جاء بمنهج رائع في بناء المجتمع البشرىّ كله وجعل كل فرد فيه متعاونًا مع غيره علي الخير العام كافلًا له حال الحاجة والإضطرار .
إن قيمة التكافل بين الناس من الأمور التي لا يقوم المجتمع المسلم إلا بها إنها قيمة إنسانيه اجتماعية راقية وقد سبق الإسلام في تطبيقها علي أرض الواقع سبقا بعيدا فكانت النماذج الرائعة في الصدر الأول من الإسلام خير معبّر عن هذا الخلق الكريم .
التكافل
بيان مدلول (التكافل) فى اللغة والاصطلاح:
لمادة (كَفَلَ) فى اللغة اشتقاقات عديدة ومعانٍ كثيرة
وقد ساق محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري فى اللسان لمادة (كفل) معانٍ لغوية متعدِّدة منها:  الكِفْل: النصيب ، والكِفْل : الذى لا يثبت على ظهور الخيل ، والكِفْل : الحَظُّ والضِّعف من الأَجر، وفى التنزيل (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) الحديد28. قيل معناه: يؤتكم ضِعْفَين. وقيل: مِثْلين. أما الكافل فهو العائِل، كَفَله يَكْفُله وكفَّله إيّاه، وفى التنزيل العزيز: ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) آل عمران37.أى ضمّنها إيّاه حتى تكفّل بحضانتها.
وفى الحديث: { أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ إِذَا اتَّقَى وَأَشَارَ بِإِصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ} موطأ مالك رواية يحيى الليثى.
والكافل: القائم بأمر اليتيم المربّى له، وهو من الكفيل الضمين.
وفى حديث وفد هوازن: [وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ] رواه الطبرانىّ فى الكبير، والبيهقىّ فى الدلائل، وأبو نعيم الأصبهانى فى معرفة الصحابة، وصححه الألبانىّ.
يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أى خير من كُفِل فى صغره وأُرضع ورُبِّى حتى نشأ، وكان مسترضعًا فى بنى سعد بن بكر.والكافل والكفيل:الضامن. لسان العرب لابن منظور بتصرف.
وأمّا المدلول الاصطلاحىّ للتكافل:
فقد عرّفه أكبر علماء الشريعة فى عصره الشيخ محمد أبو زهرةبقوله: أن يكون آحاد الشعب فى كفالة جماعتهم، وأن يكون كل قادر أو ذى سلطان كفيلًا فى مجتمعه يمدّه بالخير، وأن تكون كل القوى الإنسانية فى المجتمع متلاقية فى المحافظة على مصالح الآحاد، ودفع الأضرار، ثم فى المحافظة على دفع الأضرار عن البناء الاجتماعى وإقامته على أسس سليمة. التكافل الاجتماعى للشيخ أبو زهرة.
وقد عرّفه الدكتور عبد الله ناصح علوان بقوله: أن يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم سواءً كانوا أفرادًا أو جماعات، حكّامًا أو محكومين على اتخاذ مواقف ايجابية، بدافع من شعور وجدانىّ عميق ينبع من أصل العقيدة الإسلامية؛ ليعيش الفرد فى كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد حيث يتعاون الجميع ويتضامنون لإيجاد المجتمع الأفضل، ودفع الضرر عن أفراده. التكافل الاجتماعى لعبد الله ناصح علوان.
فالتكافل أشمل من البر والإحسان والصدقة للفقراء والمحتاجين فهو :
ترسيخ للعقيدة، وتربية للفرد، وتكوين للشخصية، وسلوك اجتماعيّ.
إن قيمة التكافل بين الناس، من الأمور التى لا يقوم المجتمع المسلم إلا بها، إنها قيمة إنسانية اجتماعية راقية، وقد سبق الإسلام فى تطبيقه على أرض الواقع سبقًا بعيدًا، فكانت النماذج الرائعة فى الصدر من الإسلام خير معبِّر عن هذا الخُلُق الكريم.
#إن الإسلام قد أولى الطبقات الضعيفة فى المجتمع اهتمامًا خاصًّا، فشرع لهم من الأحكام والوسائل مايكفل العمل الملائم لكل عاطل، والأجر العادل لكل عامل، والطعام الكافى لكل جائع، والعلاج المناسب لكل مريض، والكساء المناسب لكل عريان، والكفاية التامَّة لكل محتاج، وتشمل هذه الكفاية المطعموالملبس والمسكن، وسائر ما لا بدّ منه على ما يليق بحاله من غير إسراف ولا إقتار لنفس الشخص، ولمن هو فى نفقته. ملامح المجتمع المسلم الذى ننشده الامام القرضاوى.
*وقبل أن يأمر الإسلام المسلمين بالتكافل وضع  له الأساس الفكرىّ لقيمة التكافل:         فقد روى البخارىّ ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخارىّ عن  النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى}.
وهذا فى الواقع أدقُّ مَثَلٍ فى تصوير ما يجب أن يكون من أحوال المسلمين بعضهم مع بعض.
وقد تواترت النصوص الشرعية من القرآن والسنة التى تأمر وتحثُّ على التكافل لفظًا ومعنًى:
#فى القرآن:
*ذكر الله تعالى فى كتابه أمثلة واقعية على هذا الخُلُق العظيم من سيرة خير البشر: الأنبياء والرسل- عليهم وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام- يذكر فيها تكافلهم مع أقوامهم، لنتعلم منهم ونقتدى بهم، من ذلك ما جاء عن مريم عليها السلام فى قوله تعالى ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) آل عمران37. وقال أيضًا (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) آل عمران44.وقد كانت مريم يتيمة فقد تُوُفِّىَ أبواها، فكانت فى حاجة لمن يكفلها ويقوم بأمرها، وهذا مثال للتسابق إلى كفالة اليتيم ذكره الله تعالى فى كتابه الكريم.
#وقد ورد فى القرآن عن نبى الله موسى عليه السلام موقف إيجابى آخر يحمل كذلك معنى التكافل للمرأتين اللتين كانتا تنتظران حتى تسقيا الغنم، فسقى لهما دون أن يسألاه ذلك، وقد صوّر القرآن الكريم هذا المشهد، فقال تعالى ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)) القصص. والشاهد أنهما كانتا ضعيفتين، وفى حاجة لمن يتكفّل بأمرهما ويسقى لهما، فكان النبى الكريم سيدنا موسى صاحب هذا الخلق النبيل.
*وفى ظلال هذا العرض القرآنى لنماذج مشرقة من التكافل، يحث الله المسلمين على هذا السلوك، فيأمر بالإنفاق فى سبيل الله كوسيلة للتكافل بين أفراد المجتمع الإنسانى، وقد جاء الأمر بالإنفاق فى آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) )  سبأ. ، ومنها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد22.بل أمر بالتسابق والتنافس فى هذا الأمر فقال : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) )آل عمران.
وكما سَلَك سبحانه وتعالى  مسلك الترغيب مع عباده سلك معهم أيضًا مسلك الترهيب؛ فقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) ) المنافقون.
ولأهمية الإنفاق فى سبيل الله فى القيام بواجب التكافل، قُرن فى كثير من آيات القرآن الكريم بالعبادات العظيمة والأمور المهمة فى الإسلام؛
فجاء الأمر بالإنفاق مقترنًا بالصلاة :
كما جاء الأمر بالإنفاق مقترنًا بالشورى :
وجاء أيضًا مقترنًا بعبادة عظيمة هى قيام الليل :
وقُرن الإنفاق أيضًا بالتقوى والسمع والطاعة :
#إن هذه الكثرة فى ذكر الإنفاق فى سبيل الله تعالى وبيان أهمِّيَّته وثوابه الجزيل من الله تعالى تؤكد أهمية الجانب التكافلى فى الإسلام، حيث إن الإنفاق هو أحد أهمِّ مظاهر التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.
*ومن خلال التدبُّر فى هذه الآيات الكريمة وغيرها نرى ملمحًا مهمًّا تضمَّنته هذه الإشارات القرآنيّة، وهو أن العبادات لازمة النفع كالصلاة والحجِّ والصوم وغيرها ليست كافية فى تحقيق التطبيق الكامل للإسلام؛ بل لا بدَّ من عبادات أخرى معها يتعدّى نفعها إلى غيرنا، ومن هذه العبادات الزكاة، والتى يُعدّ الإنفاق فى سبيل الله مظهرًا مهمًّا من مظاهرها.
#فى السُّنّة المطهّرة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمثَلَ فى كل أمر؛
*إنّك لتحمل الكَلّ:
فُطِر النبى على حب الخير والإحساس بالآخرين، وبما يعانون فى حياتهم من متاعب وآلام؛
لذلك فإن أمّنا خديجة رضى الله عنها زوج النبىّ تذكّره بأنه مَثَل فى هذه الأخلاق والمبادئ، تروى أمّنا عائشة رضى الله عنها الحوار الذى دار بين النبىّ وبين أمّنا خديجة فى بداية نزول الوحى، حيث قالت (( ... فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ...)) رواه البخارىّ ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخارىّ.
*كفالته لعلىّ بن أبى طالب:
شعر النبىّ بالأزمة التى كان يمرّ بها عمه أبو طالب ، فقريش كلها تعيش فى أزمة طاحنة وأبو طالب ذو عيال كثير، فتوجه رسول الله للعباس عمّه، وكان من أيسر بنى هاشم، فقال له: يا عباس! إن أخاك أبا طالب كثير العيال، قد أصاب الناس ماترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا نخفّف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلًا، وتأخذ أنت رجلًا فنكفلهما عنه. قال العباس : نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنانريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ماهم فيه. فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لى عقيلًا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله عليًّا فضمَّه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمّه إليه.السيرة النبوية لابن هشام، وعيون الأثر لابن سيد الناس، والروض الأنف للسهيلى بتصرف.
فكانت كفالة النبى لعلىّ نموذجًا عظيمًا لشعور المرء بأهله، وبمدى مايمر بهم من أزمات.
هذا فعل النبىّ قبل البعثة فما بالك بفعله بعدها؛
#كان رسول الله يحثُّ على التكافل ويمدح من يقوم بذلك؛ فعن أَبِي مُوسَى قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ}. رواه البخارىّ ومسلم فى صحيحيهما.
*وفى حديث آخر للنبىّ يؤكد على قوة الترابط بين المؤمنين فيشبههم بالبناء المتماسك
ففى صحيح البخارىّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } .والتشبيك بين الأصابع هو بيان لوجه التشبيه أيضًا، أى يشدُّ بعضهم بعضًا مثل هذا الشدِّ؛ قاله الحافظ بن حجر فى الفتح.
*ومعلوم أن البنيان كما يشدُّ بعضه بعضًا، قد يهدم بعضه بعضًا، فإنه إن ضعف بعضُ البناء يؤثر ويُضعف بقيّته، ولا يبقى للجانب القوىِّ نفع إن تهدّم الجانب الضعيف، وكذلك المسلم مع أخيه إن ترك أخاه يضعف ويسقط، لا تبقى له قيمة فى الحياة.
فقد روى البخارىّ ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخارىّ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }.
قال النووىّ رحمه الله تعالى: فى هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلّاته، ويدخل فى كشف الكربة وتفريجها مَن أزالها بماله أو حاهه أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه مَن أزالها بإشارته ورأيه ودلالته.
وهذا صريح فى أن التكافل من حقوق الأخوَّة الإسلامية التى شدَّد الرسول عليها كثيرًا.
#وقد حذّر رسول الله من تقصير القادرين فى قضاء حوائج الناس، قال عمرو بن مُرّة لسيدنا معاوية رضى الله عنه: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إِلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ } فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ؛ رواه الترمذىّ ، وأحمد، والحاكم ، وأبو يعلى ، وقال الألبانىّ صحيح
وهذه هى الاستجابة التى يجب أن يتميَّز بها المسلمون لأوامر نبيِّهم صلى الله عليه وسلم .
*كما أن فى عدم التكافل والنصرة خذلانًا للمسلم، وفيه ما فيه  من العقاب من ربِّ العالمين سبحانه وتعالى، ومن ثَمَّ كان تحذير رسول الله شديدًا لمن تقاعس؛
فقد روى أبو داوود فى سننه قال حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولَانِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ } ورواه أحمد ، والطبرانىّ ، والبيهقىّ ، وقال الألبانىّ حسن .
إن منهجًا هذه مبادِئُه فى أمر التكافل كفيل إن طُبِّقَ أن يحقق المساواة والعدل والحبّ والإخاء بين أفراد المجتمع الإنسانى كلِّه.
*الرسول يحول التكافل الي عمل مؤسسي :
بدأ النبي في وضع نظام للتكافل المؤسسي بين المسلمين ، فالمجتمع الناشئ في مكه يمر بأزمات و ابتلاءات لابد معها من التعاون والتكافل المنظم ، لذلك يروي صاحب السيرة الحلبية عن المرحلة المكية قائلًا ( وقد كان رسول الله يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوَّة، يكونان معه يصيبان من طعامه ) .
كما آخي النبىّ بين السيد والعبد، وبين القوىّ والضعيف حتي يزداد المجتمع الناشئ تماسكًا ، فيروي عن ابن عباس قوله (آخي النبي بين الزبير وابن مسعود) ، ويقول ابن سيد الناس : وكانت المؤاخاه مرتين ؛ الأولي بين المهاجرين بعضهم لبعض قبل الهجرة علي الحق والمساواة ، آخي بينهم النبي فآخي بين أبى بكر وعمر ، وبين حمزة وزيد بن حارثة ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين الزبير وابن مسعود ، وبين عبيدة ابن الحارث و بلال ، وبين مصعب بن عمير و سعد بن أبى وقاص ، وبين أبى عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة ، وبين سعيد بن الزبير و طلحة بن عبيد الله ، وبين علىّ ونفسه صلي الله عليه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق