الأربعاء، 12 يناير 2011

التجرد


التجرد في حياة الأخ المسلم
معنى التجرد :
في اللغة: جَرَدَ الشيءَ يجرُدُهُ جَرْداً وجَرَّدَهُ قشَره... والجُرْدَةُ بالضم أَرض مسْتوية متجرِّدة... والسماءُ جَرْداءُ إِذا لم يكن فيها غَيْم .. والتجرُّدُ التعرِّي [ انظر : لسان العرب 3/115].
وفي الشرع، أن يتخلص المرء من هواه، وأن يَخلص نفسه لله، وأن يصطبغ بصبغة الله .
وإن شئت فقل : التجرد : أن تجعل نفسك وقفًا لله .
التجرد ركن من أركان بيعتنا:
أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة:138)، ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (الممتحنة:4). 
 والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء.
التجرد فى الصحابة
عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ:  أُهَاجِرُ مَعَكَ . فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بَعْضَ أَصْحَابِهِ..
 فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟  قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .فَأَخَذَهُ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ !
 قَالَ – صلى الله عليه وسلم - : " : قِسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ " .
قَالَ:  مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ! وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا-  وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ! فَقَالَ النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " .
فَلَبِثُوا قَلِيلاً، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَهُوَ هُوَ  ؟ ! "
قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ " .. ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ"[ النسائي : 1927،وصححه الألباني ]   
 وقفة تجرد :
في هذا المشهد السالف، نرى صورة من روائع التجرد لله، وصورة رجاله الذين صدقوا الله فصدقهم، فنالوا الجنة عن موقف تجردت فيه قلوبهم لله تمام التجرد، دون سابقة أعمال مأثورة أو تاريخ دعوي تليد، فقط دخلوا الجنة بوقفة وقفوها.
ومثاله الصحابي الذي دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة، حيث انتقل من صفوف الكفر إلى صفوف الإيمان في ميدان المعركة، فشهد شهادة الحق، فقاتل، فقُتل، هكذا في دقائق معدودات !
فمال الكبير الدالف، والسقيم المدنَف، وغيرهما، ممن عاشوا في الإسلام دون أن يقدموا له شيئًا يذكر ! أو انغمسوا في يَمِ المعصية مع قليل توبة، أو طُحنوا في طاحونة التجارة وتغذية البطون، وإشباع الفروج، والإمعان في نعيم زائل، فإما أن تمحصهم فُجاءات الأمور, وبَغَتات الحوادث، وإما أن تسكرهم سكرة الموت، فلا يرون أنفسهم إلا في عرصات القيامة حيث حساب ولا عمل، ونَدَمٍ حيث لا ينفع الندم !
هذا المتجرد :
هذا، الأعرابي، الصحابي، الجليل، عزم عزمة صادقة، وعرف غايته الكبرى وهي الجنة، وعرف السبيل إليها، وهو الجهاد، وأيقن أن الشهادة في سبيل الله هي أقصر الطرق وأيسر السبل إلى جنات وعدن، فعقد في نفسه أسمى غاية، هي الموت في السبيل الله، وأخذ العهد على نفسه في ذلك، واتبع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أجل الوصول إلى الغاية عبر هذه الوسيلة.. "أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا-  وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ !" .. لقد كان طموحه في منتهى السمو، وهدفه في منتهى الوضوح، ومنهجه في الحياة في غاية الغضارة، وأوضح من الشمس في رابعة النهار ..
أن يُرمي بسهم في حلقه .. فيموت .. فيدخل الجنة ..
من تمام التجرد :
لقد جاء هذا الأعرابي بقسمه في الغنيمة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، مستغربًا، وقائلاً :
" مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ !"
وكأنه يرى أن من الغَثَارة والحماقة أن يتلهي بغنيمة دنيوية، فيضيع فيها الوقت، وتمر فيها ساعات تأخره عن غنيمته الكبرى التي طمح إليه . فبين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يكن قد عاهد على نعيم دنيوي قط، بل كانت عزمته للجنة، الجنة فحسب.
ويكأن القاصد البصير لا ينظر إلى الفتات .
  الطريق إلى التجرد :
إن التجرد مرتبة سامقة، ودرجة سامية، لا يتسنى لإنسان أن ينالها إلا بمجاهدة، وهي – أي مرتبة التجرد – لا ينبغي أن ينالها نهمْة لا يشبعون، أو غلْمة لا يتعففون.
 لَرَجُلٌ ألزم نفسه الطاعات وألجمها عن الشهوات وصرفها عن الشبهات أحق أن ينال مرتبة التجرد.
قال الشاعر :
لا تحسبنَّ المجدَ تمرًا أنت آكله *** لن تبلغَ المجدَ حتى تلعقَ الصبرَ
وقال المتنبي مخاطبًا نفسه:
تُرِيدينَ إتيانَ المعالي رخيصةً *** و لا بد دون الشهدِ من إبْرِ النَّحلِ
فانظر كيف كانت بداية هذا الأعرابي، من أول يوم أسلم فيه، لقد كانت حياته صدقًا مع الله، فتأملْ – بارك الله فيك - أول الحديث، وتذاكرْ ما تحته خط :
"أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ:  أُهَاجِرُ مَعَكَ .
فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بَعْضَ أَصْحَابِهِ..
فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – سَبْيًا ..."
لقد كان بادىء أمر هذه الأعرابي: إيمان، واتباع، وهجرة، وجهاد .. !
فلم يزل يجاهد نفسه في الإيمان، بحسن الاعتقاد، وكمال اليقين، وجمال التوكل.
ولم يزل يجاهد نفسه في الاتباع، بحسن التأسي، وتمام الاقتداء بخاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم -.
ولم يزل يجاهد نفسه في الهجرة، فحمل نفسه حملاً، عن الشهوات والشبهات، وانتقل بنفسه من أرض الكفر إلى أرض الإيمان .
ولم يزل يجاهد نفسه في ساح الوغى، يكابد معمة القتال، يركض إلى الله ركضًا، بغير زاد إلا التُقى وعمل الرشاد . وهكذا، لم يزل يجاهد في الله، حتى هداه سبيل التجرد، فكان له ما كان من الشهادة والكرامة .
جائزة التجرد :وكانت جائزة هذا الأعرابي المتجرد عبارة عن حزمة من التكريمات النبوية والتشريفات المحمدية، فكانت له هذه المناقب :
المنقبة الأولى : أن صدّقه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فقال: " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ ".
المنقبة الثانية : أن كفنه النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جُبَّته.
المنقبة الثالثة : أن قدَّمه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ .
المنقبة الرابعة : أن دعا له النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ" .
المنقبة الخامسة : أن شهد له النبي بالشهادة، قال : "فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ" .
أيها المتجرد، أبشر بهذه الخماسية !
التجرد ومثال في الملائكة
والملائكة مثال لمن تجرد لمحض الخير، قال الله تعالى فيهم : " لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [التحريم:6] ولذلك يقول الإمام الغزالي  :
"التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقربين، والتجرد للشر دون التلافي سجية الشياطين، والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميين؛ فالمتجرد للخير ملك مقرب عند الملك الديان، والمتجرد للشر شيطان.." [ الإحياء 3/105].
التجرد ومثال في الحج
والحج من أهم العبادات التي يستشعر فيها المسلم المعنى الحقيقي للتجرد، فهو يترك الأهل والوطن، ويتجرد من ثيابه، فيرتدي ثوبًا أشبه بالكفن، ويؤدي مناسك لا يعلم حكمتها إلا الله، ويستشعر المسلم معنى التجرد في طوافه الخالص لله بالكيفية التي أرادها الله، وفي التلبية التي يهتف بها الحاج معلنًا تجرده لله وبراءته من الشريك والنظير .. وفي ذلك كله التجرد من شهوات النفس ومطالب الهوى.
 التجرد طريق النصر:
إن طريقَ الدعوة واحدٌ لا يحتمل الشركة، ولذلك فإنَّ الدعواتِ لا تنجحُ ما لم يتجردْ لها المؤمنون بها التجردَ الذى يتمُّ به التخلُّص للفكرة مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ بحيث تملك الدعوةُ عليهم عقولَهم ومشاعرَهم، فلا شيءَ يعين الداعية على المحن في طريقه الشاق مثلَ التجردِ لله والإخلاصِ له﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام)، والتجرد الكامل لمنهج الحق المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والاستمساك به، وعدم المساومة عليه ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام:153) ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الزخرف:43)، وقال صلى الله عليه وسلم: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ" (أحمد) وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم".  
وقد تجرد قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لله ولدعوته، وتجرد للبلاغ، ثم رَبَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على التجرد لله، حتى خلت نفوسهم من حظوظ نفوسهم، وصار همُّهم كله أن يخلصوا العبادة لله، والعمل لنصر دينه ونشر رسالته، فلما علم الله منهم ذلك مكَّن لهم في الأرض، ونصرهم بفضله.
 ويقول الأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله في حديثه للإخوان المسلمين: "من مزايا الأنبياء والدعاة إلى الله: التجردُ للدعوة والتفرغُ لها بالقلب والقالب، والنفس والنفيس، والوقت والقوة، فمن شأنهم أنهم يركِّزون جهودَهم ومواهبَهم ويوفِّرون أوقاتِهم وقواهم لهذه الدعوة ونشرِها والجهادِ في سبيلها، ويعطونها كلَّهم ولا يَضِنُّون عليها بشيء مما عندهم، ولا يحتفظون بشيء ولا يُؤْثِرون عليها شيئا؛ لا وطناً ولا أهلاً ولا عشيرةً ولا هوىً ولا مالاً، حتى تثمر جهودهم". 
ويقول الأستاذ الشيخ  محمد محمود الصواف- رحمه الله-: "الدعوة هي حياة الداعية تأخذ عليه لُبَّه وكلَّ مشاعره وأحاسيسه، وهي كل حاضره ومستقبله، حياتُه مرتبطةٌ بحياتها، ونصرُه معلَّقٌ بنصرها، ويجب أن تصطبغ حياتُه كلُّها بصبغتها الربانية، فإن تكلَّم ففي الدعوة، وإن عمل فللدعوة، وإن سار سارت معه، وحيث وُجدت لا تفارقه ولا يفارقها، ويتصاغر أمامها، وكل ما قدم لها من خدمات يراها صغيرة وبسيطة بالنسبة إلى ما يجب عليه من جهاد أكبر"
الإخوان يتربون على التجرد:
إنَّ حركتنا المباركة لفي حاجة ماسة إلى القلوب المتجردة الموصولة بالله، التي لا تنظر إلى متاع دنيوي حقير زائل، ولا تعمل من أجل الزعامة أوالقيادة أو الصدارة، أو ابتغاء الشهرة والظهور الذي يقصم الظهور، ولهذا كان من أهم ما ينشغل به الإخوان في عملية التربية: تدريبُ الأخ على تزكية نفسه بما يجعلها مُتَأَبِّيةً على الدَّنايا، ثم الترقي به ليعيش متجردًا لرسالته، مطمئنًّا ومستعدًّا للتضحية في سبيلها بكل ما يستطيع
ومن ثَمَّ فالأخ الصادق مجاهد مستمر في جهاده، لا يربط انتظامه في الدعوة واجتهاده في العمل بإحراز المناصب أو التقدم في مواقع القيادة في الدعوة، بل إنه يتعفف عن طلب ذلك، ولا ينافس في شيء منه، ولا يتوقف عن العمل حين ينقل من موقع إلى آخر متقدم أو متأخر في الدعوة، بل هو جندي الدعوة في كل حال، يَخْدُمُها ولا يستخدمها.
 وكذلك لا يجعل الأخ الصادق المواقف الشخصية مع أحد من إخوانه– كائنًا ما كان موقعه- سببًا في ترك الصف، أو الافتئات على الدعوة والإساءة إليها، أو إشاعة المفتريات وترديد الأباطيل عن الدعوة وأهلها، بل يبقى في كل حال مهتمًّا ببيان حقيقة الدعوة وإيضاح صورتها الناصعة، والذب عنها وعن قادتها، ورد الافتراءات والبهتان عنها وعنهم. 
وميزان التجرُّد عند الأخ المسلم: قصدُ الحق، ونشدانُ الصواب، لا يُفَرِّق بين أن يظهرَ الحقُّ على يده أو على يد إخوانه، ويرى أخاه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له، ويقدم النصيحة لإخوانه بكل آدابها وضوابطها، ويظل عاملاً لدعوته، حريصًا على نجاح رسالته، متأبِّيًا على محاولات الاستدراج، واعيًا لكل محاولات شق الصف التي يجتهد فيها الخصوم.
 أيها الإخوان المسلمون: إن ظاهرةَ التنازع والشقاق والتشرذم التي تصيب بعض العاملين في حقل الدعوة تشير إلى نقص في التجرد الحقيقي لله، حين تختلف آراؤُنا واجتهاداتُنا ورؤانا ونحن متجردون لله وللحق، فسنحتكم إلى الضوابط والثوابت التي ارتضيناها، وسيقلُّ التنازعُ والشقاقُ والتشرذم دون شك حين نكون متجردين لله، نقبل النصيحة، ونحتمل النقد، سواء كان لأشخاصنا أو لأفكارنا أو لتصرفاتنا، وحين نكون متجردين لله لا تكون ذواتنا محور اهتمامنا ولا محور تحركنا، وحين نكون متجردين لله تكون طريقة الحكم على الآخرين هي الطريقة التي أمر الله بها ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8).
 وحين يغيب التجرد من حياة المسلم يحل محله اتباع الهوى والإعجاب بالرأي، وذلك بداية الهلاك ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ [الصف: من الآية5] ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ (محمد: 14)، وفي الحديث: "ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِى رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ..." (أبو داود والترمذي وحسنه). 
إن وضوح الباعث الحقيقي والمحرك الفعلي والدافع الأساسي للعمل من أجل عزة الإسلام وإعلاء كلمة الله؛ هو الذي يعين صاحب الدعوة على الالتزام بمنهج دعوة الإخوان المسلمين في إصلاح الأمة ونهضتها ورقيها؛ للوصول بها إلى الخيرية التي وصف الله تعالى بها أمة الإسلام في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110)، وكما أن وضوح الباعث الحقيقي في نفس صاحب الدعوة يتولد عنه الانتماء الصادق لهذه الدعوة المباركة والتجرد التام لها، فلا ينفك عنها مهما طال الزمن واشتدت به الخطوب؛ لأنه يدرك طبيعة الانتماء لهذه الدعوة المباركة، وأنه يبنى على منطلقات أربعة أساسية هي:
أولاً: المنطلق العقدي؛ لأن أداء التكاليف الشرعية عامة، وإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى هو واجب شرعي على كل مسلم. 
ثانيًا: المنطلق الفكري؛ لأن الفهم السليم والصحيح للإسلام- كما عبَّر عنه الإمام البنا رحمه الله في "رسالة التعاليم" و"الأصول العشرين"- هو الأساس الذي يُبنى عليه العمل الإسلامي. 
ثالثًا: المنطلق التنظيمي؛ لأن العمل الجماعي فريضة شرعية، وكما أوضح فقهاء وعلماء الأمة "بأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فالعمل لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى واجب شرعي، ولا يتم هذا الواجب إلا من خلال العمل الجماعي المتكاتف المنظم الموحد المتماسك البناء والمترابط الأركان. 
رابعًا: المنطلق الأخلاقي؛ لأن الأخلاق الإسلامية من الصدق والوفاء والتجرد وغيرها هي أساس العمل الإسلامي وبناء الأمة الإسلامية ونهضتها المنشودة. 
ولقد عبَّر الإمام البنا- رحمه الله- عن هذه المنطلقات الأربعة بقوله: "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل؛ إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور:
- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف
- ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر
- وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع أو بخل
- ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه، أو الانحراف عنه، أو المساومة عليه، أو الخديعة بغيره
على هذه الأركان الأولية التي من خصائص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة؛ تُبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتجدد الحياة لمن حرموا الحياة زمنًا طويلاً، وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقد قواده ودعاة الإصلاح؛ فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً..".
يقول الإمام البنا فى مقال له بعنوان ''التجرد لله تعالى''
  الناس رجلان:
1-  رجل يعمل ما يعمل من الخير ، أو يقول ما يقول من الحق ، وهو يبتغى بذلك الأجر العاجل ، والمثوبة الحاضرة ، من مال يجمع ، أو ذكر يرفع ، أو جاه يعرض ويطول ، أو لقب ومظهر يصول به ويجول: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14).
2- ورجل يعمل ما يعمل ويقول ما يقول لأنه يحب الخير لذاته ، ويحترم الحق لذاته كذلك ، ويعلم أن الدنيا لا يستقيم أمرها إلا بالحق والخير ، وأن الإنسان لا تستقيم إنسانيته كذلك إلا إذا رصد نفسه للحق والخير(وَالْعَصْرِ , إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:1-3) ولأنه يحب الله ويخشاه ويرجوه ، ويقدر نعمته ـ عليه في الوجود والقدرة والإرادة والعلم وسائر ما منحه إياه ، ففضله بذلك على كثير ممن خلق تفضيلا ، وهو يعلم أن الله قد أمر بالخير فقال: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77) ، وأوصى بالثبات على الحق ، فقال: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79) ، فهو لهذا يرجو ما عند الله ، ويبتغى بقوله وعمله مرضاته وحده.
 وقد يرتقى به هذا الشعور فيرى أن كل ما سوى الله باطل ، وكل ما عداه زائل ، فمن وجده فقد وجد كل شيء ، ومن فقد شعوره بربه فقد فقد كل شيء: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3) , فهو لهذا لا يرى أحدا غيره حتى يولى إليه وجهه ، أو يصرف نحوه حقه وخيره: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذريات:50) , (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) (لنجم:42) , أو لأنه يعلم أن هذه الدنيا فانية زائلة ، وكل ما فيها عرض حقير ، وخطر يسير ، من ورائه حساب عسير ، وأن الآخرة هي دار القرار ، فهو يزهد كل الزهادة في الجزاء في هذه الدنيا ، ويرجوه في الأخرى. 
فالمال إلى ضياع وورثة ، والجاه إلى تقلص ونسيان ، والعمر إلى نفاد وانقضاء مهما طال: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ) (النحل:96) ، (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى:17) ، وهو يرجو المثوبة نعيما في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولثك رفيقا. 
3- ومن الناس قسم ثالث يود أن يأخذ من هذه وتلك ، وقلما يستقيم له الأمر ، فهما ضرتان إن أرضيت أحداهما أغضبت الأخرى ، وكفتا ميزان إن رجحت واحدة شالت واحدة. على أن المقطوع به أن من أراد الدنيا وحدها خسر الآخرة ، ومن أراد الآخرة حازهما معا ، وصح له النجاح فيهما جميعا ، ومن خلط بينهما كان على خطر عظيم: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً , وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:18-19). 
ومن هنا آثر الصالحون من عباد الله في كل زمان ومكان أن يتجردوا للغايات العليا ، ويصرفوا نياتهم ومقاصدهم وأعمالهم وأقوالهم إلى الله جل وعلا ، متجردين لذلك من كل غاية ، متخلصين من كل شهوة: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة:5). 
ومن هنا قرأنا في تاريخنا قصة ذلك الذي عثر على حق من الجوهر الغالي الثمين في القادسية ، فقدمه إلى الأمير طائعا ، فعجب من أمانته وقال: (إن رجلا يتقدم بمثل هذا لأمين , ما اسمك؟ حتى أكتب به إلى أمير المؤمنين فيجزل عطاءك) فقال الرجل: (لو أردت وجه أمير المؤمنين ما جئت بهذا ، وما وصل علمه إليك ولا إليه ، ولكن أردت وجه الله الذي يعلم السر وأخفى ، وحسبي علمه ومثوبته). وانصرف ولم يذكر اسمه، وآثر ما عند الله على ما عند الناس. 
وأمثال ذلك كثير في تاريخنا الزاخر بمعاني التجرد للخير والحق والعمل الصالح ابتغاء مرضاة الله , فهل تستقيم الأمور على هذا النهج القويم ؟ ...... اللهم آمين
إن صاحب الدعوة عليه واجبات كثيرة ومتعددة حتى يستطيع أن يحقق هذا الانتماء الصادق والتجرد التام لدعوته في نفسه أولاً ثم في نفوس كل من حوله، ومن هذه الواجبات: 
1- وضوح الرؤية حول منهج الإخوان المسلمين ومنطلقاته الأساسية. 
2- تحري الإخلاص والصدق والتجرد في كل قول وعمل. 
3- العمل المتواصل الدءوب في جميع الظروف والأحوال، واستمرار العطاء والتضحية بكل غالٍ ونفيس. 
4- الارتباط بالفكرة ومنهج هذه الدعوة المباركة، وعدم الارتباط بالأشخاص مهما كانت مكانتهم وعلمهم وتاريخهم؛ مصداقًا لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتن". 
5- ترك الأهواء والأعراض الشخصية وحظوظ النفس والتسامي عن المنافع المادية والمصالح الشخصية، فيكون بذلك صاحب الدعوة جندي الفكرة والعقيدة لا جندي الغرض والمنفعة. 
6- عدم التأثر بالأفكار والآراء البعيدة كل البعد عن منهج الجماعة وسياساتها المعتمدة. 
7- الوفاء الثابت لهذه الدعوة وعدم التلون أو الغدر بها.  
وبعد.. فإن الانتماء الصادق والتجرد التام لهذه الدعوة المباركة هو الذي يجعل صاحب الدعوة- بعد فضل الله تعالى عليه- ثابتًا عاملاً لها مجاهدًا في سبيل تحقيق غايتها وأهدافها؛ مهما اشتدت المحن والابتلاءات أو شغلته الدنيا بصوارفها وشهواتها وملذتها... لأنه ينشد ما عند الله عزَّ وجلَّ من نعيم دائم لا ينقطع، وجزاء من الله باقٍ لا يفنى، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) (الشورى).
واعلم يا أخي أن النفس في عامة أحوالها أمارة بالسوء ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) ، فوجب علي العاقل رياضتها لكبح جماحها والتحكم في اتجاهها ، ويختلف الناس في طريقة التعامل مع النفس ،
فمنهم من يفهم طبيعة نفسه وميولها وتطلعاتها فيأتيها من أحب الأبواب إليها ويحسن قيادتها ليصل بها إلي ما يريد هو وليس ما تريد هي ، وإمام هؤلاء عمر بن عبد العزيز ، إذ قال له جليس يوماً : لم تضيق علي نفسك وأنت أمير المؤمنين ، فأجابه : إن نفسي طماعة وثابة ، كلما حصلت علي نعيم تطلعت لما بعده ، وقد حصلت علي كل نعم الدنيا فهي الآن تطمع فيما عند الله تعالي ، فهذا رجل قد فهم نفسه فراضها رياضة سلسة حتى وصل بها إلي هذه الصورة الكريمة .
ومن الناس من لايفهم شيئاً عن نفسه ولكنه يخاف عثراتها وتقلبها ، وهو يريد في نفس الوقت أن يعبر بها بر الأمان ، فحينما يري تمردها يناصبها العداء ويعاندها في كل ما تختاره له وما تدله عليه ، وهؤلاء غالبهم العباد الزهاد النساك الذين ناصبوا الدنيا العداء والشقاق خوفاً منها وإنا لنرجوا لهم السلامة .
ومتى داوم الإنسان علي رياضة نفسه ملك زمامها وتحكم في اتجاهها ، حتى يصل بها إلي مرتبة مميزة اتفق المتأخرون علي تسميتها ( إنكار الذات ) فماهي حقيقة إنكار الذات ؟ .
إنكار الذات من أعظم علامات التجرد
إنكار الذات حالة لا توجد إلا عند من اكتمل إيمانه فأصبح الحق هدفه يسعي إليه ويتعاون مع الآخرين عليه وتتضح صورة إنكار الذات في الممارسات التالية :
1) تقديم أمر الشرع علي هوي النفس وإن لم تكن النفس راغبة في ذلك ( وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فإن الجنة هي المأوي ) ، وعلامة ذلك قبول الحق فور العلم به وإن تعارض ذلك مع ما تشتهيه النفس ، ولا تتغير هذه القاعدة في حياته بصرف النظر عن الطريقة التي جاء بها أمر الشرع حتى لو جاء الحق علي لسان العدو فما بالك إذا جاء الحق عن طريق الأنبياء ( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ) . 2) إن كان من توفيق بفعل طاعة أو اجتناب معصية أو تحقق له نعمة من نعم الدنيا نسب الفضل إلي الله تعالي وليس إلي نفسه
، يقول ربنا تبارك وتعالي ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وهذا ليس فقط خبراً أخبر به رب العالمين بل هو  ( إنيrكذلك منهج المؤمنين الصادقين قال تعالي مخبراً عن نبي الله يوسف  تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ، واتبعت ملة آبائي إبراهيم واسحق ويعقوب ماكان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ، في حين أن قارون قال حينما ذكره قومه بنعمة الله عليه وبما يجب عليه فيها فقال كم حكي عنه القرآن الكريم ( قال إنما أوتيته علي علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ويسأل عن ذنوبهم المجرمون ) وقال سبحانه عمن زكي نفسه بزعم الإيمان ( يمنّون عليك أن أسلموا قل لاتمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) .
3) أن يقدم نفسه ويزاحم الناس حين البذل والتضحية ، وأن يجعل نفسه في المؤخرة حين الغنيمة فلا يكن كالمنافقين الذين لا يرضيهم سوي الأخذ ، فإن  كانوا لا يُرون في الصف الأول إلا في الصلاة وعند الجهادrأصحاب رسول الله  ، أما عند توزيع الغنائم قل أن تراهم .
ثمرة إنكار الذات
من أنكر ذاته في سبيل شيء فقد ربط نفسه بهذا الشيء وجوداً وعدماً ، فمن اختار المنهج الحق وأنكر ذاته في سبيله فقد علق نفسه الفانية بالمنهج الباقي ، وهو بذلك يضمن لها ثمرة الدنيا التي وعد الله عباده المؤمنين وكذلك يضمن لها الأمن يوم القيامة ، وخير شاهد علي تلك الحقيقة أولئك الأقوام من الصحابة والتابعين والعاملين لهذا الدين الذين نذكر أسماءهم محاطة بهالة من النور والاحترام مع أنهم لم يقصدوا أن يجعلوا لأنفسهم ذكراً بين الناس إنما قصدوا وجه الله وجعلوا أنفسهم طريقاً معبداً لخدمة شرع الله .
صور ونماذج لإنكار الذات
إنكار الذات وصف يتضح أثره في كافة جوانب الحياة ويمكن تصوير بعض هذا الأثر كما يلي :
أولاً : في الحياة الأسرية
تقوم النظرة المثالية التي رسمها الإسلام للحياة الأسرية علي أنها صمام أمن للفرد والجماعة ، كيف لا وبها تُحصن الأعراض وتُحفظ الذرية ويُصنع رجال المستقبل ؟ ، كما أن هذه النظرة المثالية لاتنكر الخلافات الفكرية التي تكون بين الطرفين الأساسيين في العلاقة الزوجية ، ولكنها تأمل في أن يتنازل كل من الطرفين عن كل أو بعض أنانيته لإنجاح هذه العلاقة ، وذلك طبقاً لسياسة سددوا وقاربوا ، ومن شأن من أنكر ذاته أن ينظر إلي الحياة الأسرية نظرة الغريق إلي سفينة النجاة ، فهي فرصته الأكيدة للنجاة من الغرق ، فهناك فرق كبير بين من كانت تلك نظرته إلي الحياة الزوجية وبين من دخلها بروح الندية وذلك من تغلب عليه شح نفسه وعلا في حياته صوت ( الأنا ) فانصرف همه إلي تحقيق أكبر قدر من المكاسب من وراء تلك العلاقة الزوجية التي هي علاقة مقامة بكلمة الله .
في الحياة الأسرية يتنازل الرجل عن كل أنانيته ورغباته الخاصة التي لا تنسجم مع الروح الأسرية الواجبة ، يتخلص من كل ذلك ليعيش لأسرته يرعاها ويعلمها ويؤدبها ويقوم علي كافة شئونها ليقدم أولاده الصالحين هدية للمجتمع ، ومطلوب منه أن يسمو بامرأته وبجميع أهل بيته فوق الغرائز لا أن يسقط في دروب الهوي ومتع الدنيا .
وشأن المرأة إن أنكرت ذاتها أن تنظر إلي زوجها باعتباره معبرها إلي الجنة  حيث قالrوبأن خدمتها له تعدل الجهاد في سبيل الله كما أخبر بذلك المعصوم  لوافدة النساء ( أخبري من خلفك من النساء أن خدمة إحداكن زوجها واعترافاً  القائل ( إن المرأة إذا صلتrبفضله يعدل الجهاد في سبيل الله ) وهو أيضاً  خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ) ، ومتى كان هذا هو اقتناع المرأة عن الحياة الزوجية فلن تبخل علي زوجها بحب ولن تضن عليه بجهد وأبداً لن تقدم رضاها علي رضاه ، ولها فيمن سبقها أسوة حسنة :
1)
في الحديث المتفق عليه أن أم سليم امرأة أبي طلحة مات ولدها في حجرها بعد خروج زوجها من البيت ، ونحن نعلم جيداً حال الأم ومشاعرها حين فقد ولدها فذاك مشهور ، ويُلتمس لها ألف عذر إن اعتزلت زوجها أو حتى اعتزلت حياتها لفترة مناسبة ، ولكن هذه المرأة الصابرة المحتسبة تؤثر حزن زوجها علي حزنها ، وتجعل التفريج عنه مقدماً علي مشاعرها ، فحين يأتي إلي البيت تطمئنه بأن ولده في أحسن حال ثم تتزين له حتى يصيبها ، وبعد أن تهدأ نفسه r يشكو صنيعها يدعوا الرسول rتخبره بما جري لولده وحينما يذهب لرسول الله  لهما ( بورك لكما في ليلتكما ) .
2)
أمامة بنت الحارث توصي ابنتها أم إياس بنت عوف وهي تزفها إلي زوجها ومن بين وصاياها : كوني له أمةً يكن لك عبداً وشيكاً ، وأيضاً توصيها : وإياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً والكآبة بين يديه إن كان فرحاً ، إن الأم تأمر ابنتها بأن تؤثر رضا زوجها علي رضا نفسها وأن تذوب في كيانه لا أن تكون نداً له .
3)
في العقد الفريد أن رجلاً متزوجاً خطب إلي أعرابي ابنته ، فرفضت الكبرى الزواج به قائلةً : يوم عتب ويوم غيرة والعذاب بين اليومين ، فقالت الصغرى زوجنيه ، فقال أبوها : علي ما قالت أختك وترغبين في الزواج به ؟ قالت : نعم ، يوم زينة ويم لقاء ولعل الله يجعل المتعة بين اليومين ، نعم تلك فتاة يقول القائل عنها : إنها تفوقت علي نفسها ، فلم تر في زوج المستقبل ما رأته أختها من أنه مبعث عتب وغيرة ، ولكنها رأت أنها قادرة علي أن تصنع لحظات متعتها من خلال ما تقدمه لزوجها من متع ترضيه بتزينها وصبرها علي ألم  : ( إن الله كتب الجهادrالغيرة من زوجته الأخرى ، وفي الحديث عن النبي  علي الرجال والغيرة علي النساء فمن صبرت منهن علي غيرتها كتب الله لها أجر المجاهدين في سبيل الله ) ولا تستغرب بعد ذلك إذا ما علمت أن هذه المرأة تحتل مكانة عالية في قلب زوجها ، مكانة لا يصنعها مال ولاجمال ولاحسب ، إنما يصنعها تحببها إلي زوجها وصبرها علي ما تري من غيرة وابتعادها عن العتب الذي إن كثر ورث البغضاء وكان الشقاق .
ثانياً : في مجال العلاقات الاجتماعية
يري العاقل أن صلة الرحم أوسع أبواب استجلاب رحمة الله ورضوانه ، ولئن أغلق إنسان هذا الباب فهيهات أن يجد باباً أقرب منه يوصله إلي رضوان الله ، ولهذا فينبغي علي العاقل أن يسد كل منافذ الشيطان التي تسعي لغلق هذا الباب في وجه الإنسان ، وأن يتفوق علي نفسه التي تدعوه إلي الندية في المعاملة .
 
إن ليr يشكو قرابته قال : يا رسول الله rجاء رجل إلي رسول الله  قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي ،  : لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من اللهrفقال النبي  ظهير عليهم مادمت علي ذلك ، رواه مسلم .
ثالثاً : الأخوة في الله
الأخوة في الله أوثق عري الإيمان ، وأقرب المسالك لاستجلاب محبة الله تبارك وتعالي
رابعاً : في مجال الحياة العامة
المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ، والأعباء ثقيلة فما لم نتعاون علي حملها استحالت ، والشعار الذي يرفعه العقلاء هو أن المهم الإنجاز وليس من أنجز ، ومن تقدم ليسد ثغرة علي الأمة وإن كانت يسيرة فهو الفائز حقاً بخلاف  ( إن الله يحبrمن سعي إلي زعامة أو رياسة ، في الحديث عن رسول الله  الأبرار الأنقياء الأخفياء الذين إن حضروا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا ) ابن ماجة والحاكم والبيهقي عن معاذ بن جبل .
 
في سفر مع جمعrقصة معلومة لدي عامة المسلمين يوم أن خرج رسول الله  من أصحابه ، وحان وقت الطعام فاقتسم الصحابة الواجبات لإنجاز الطعام ، فقال  : وعليّ جمع الحطب .rالنبي 
 
لم يقبل أن تنفصلrفي الخبر ما فيه من العظات ، فأول ذلك أن النبي  القمة عن القاعدة ، بل ينبغي أن تكون معهم في الآمال والآلام ، تشاركهم  عملاً اختارrأمانيهم وتشاطرهم أحزانهم ، وثاني ذلك حينما اختار النبي  المطلوب لمصلحة الأمة بصرف النظر عن موقع هذا العمل ووجاهته الاجتماعية ،  إذا رغب في العمل أن يكون قائداً مخططاً ومراقباً للتنفيذrوقد كان يكفيه  ولكنه لم يشأ أن ينازع أحداً علي مكان استقر فيه وهذا ثالث مافي الأمر من عبر .
أفيقارن ذلك بموقف عبد الله ابن أبي بن سلول يوم أحد حينما اعتزل المسلمين قبل المعركة بمن معه من الجند ، وكانت حجته : عصاني وأطاع الغلمان ومن لا رأي له ، علام نقتل أنفسنا ؟ يري نفسه قائداً لم يُلتفت إلي رأيه ومشورته ، والنتيجة معروفه فقد حكم الله بكفره وبعدم قبول صدقته وأمر النبي  بعدم الصلاة عليه عند موته ، وما ذلك إلا لأنه رأي نفسه فوق قانون الأمةr  .rفعصي أمر الله ورسوله 
خامساً : في مجال العبادة
والعبادة الصحيحة لا مجال فيها للنفس مطلقاً وإلا حبطت العبادة ، ومع هذا فتري الناس يأبون إلا أن تكون عبادتهم علي نسق الميراث الذي توارثوه عن آبائهم وأجدادهم ، ولئن تفقه أحد الشباب فنصح الناس اتهموه بالخروج علي المألوف من عبادة المسلمين ، وتلك واقعة نهديها لمن يري نفسه فوق أمر الله  بعد تحويل القبلةr ، فقد حدث أن رجلاً صلي خلف رسول الله rوبيان رسوله  إلي البيت الحرام ثم انصرف فوجد أهل مسجد يصلون إلي بيت المقدس ، فوقف عند  وقد أُمر باستقبالrباب المسجد ثم قال : اشهد أني صليت خلف رسول الله  الكعبة ، فما هو إلا أن تحول جميع المصلين في حركة دائرية منتظمة واستقبلوا الكعبة ، لم يتوقف أحدهم ولم يعترض أحدهم ولم يتكبر أحدهم .
سادساً : في مجال العلم والتعليم
العالم العامل الرباني الحق هو من كان يهتم بتحصيل المادة العلمية الصحيحة مع حرصه علي أن تصل إلي كل الناس بشكل صحيح حتى لو جاءت من غيره ، فمثل هؤلاء العلماء يعلمون أنه لا يجوز تعلم العلم إلا خشية لله وليس علي سبيل طلب الرياسة أو الجاه أو المجادلة ، بل ما علمناه من سيرة السلف الصالح أن أحدهم كان يسعده أن يجيب عالم غيره علي تساؤلات المسلمين ويفرح إن أصابه توفيق ، وما علمنا انتصاراً للرأي ولا تغليباً لاجتهاد بغير سند إلا في فترات التخلف والتقهقر وكأن التخلف قرين التعصب ، وحسبنا هذه الأمثلة :
1) في مجلس الإمام مالك مع تلاميذه جاء رجل يستفتيه ، فأفتي بطلاق امرأة قال لها زوجها : أنت طالق ما غرد العصفور ، فيعني هذا أنها تطلق إذا توقف العصفور عن التغريد ، فانصرف الرجل حزيناً ، فاستوقف الإمام الشافعي ( تلميذ مالك في ذلك المجلس ) السائل وأمره أن يراجع مالك في فتواه قائلاً له : قل له إنها لا تطلق وحينما استعلم مالك من الشافعي قال الشافعي : أرأيت  ( فأما معاويةr لفاطمة بنت قيس في رجلين يخطبانها حيث قال rقول رسول الله  فصعلوك وأما أبو الجهم فضرّاب للنساء ) وفي رواية ثانية ( فلا يضع عصاه عن عاتقه ) فأين تكون عصاه حين نومه وحين طعامه وحين خلائه ؟ إنما قصد رسول  غالب حال أبي الجهم ، وكذلك غالب حال العصفور أنه يغرد ، فلا تطلقrالله  المرأة ، فرد مالك : الآن حق لك أن تفتي ، لم يرفض مالك اجتهاد تلميذه في مجلسه ، ولم يأخذه الكبر أن يكون في المسألة رأياً آخر يخالف رأيه ، رضي الله عن الجميع .
2)
في البخاري وغيره أن أبا موسى الأشعري سُئل عن بنت وبنت ابن وأخت فقال : للبنت النصف وللأخت النصف ، ثم قال للسائل وأت ابن مسعود فسيوافقني ،  ، للبنت النصف ولبنتrفسُئل ابن مسعود فقال : لأقضين فيها بقضاء رسول الله  الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فهو للأخت ، فأتينا أبا موسى فأخبرناه فقال : لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم .
3)
سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام يلقاه سائل في الطريق فأفتاه ثم تنبه بعد مراجعة نفسه أن الفتوى ليست صحيحة فماذا يفعل ؟ لقد أرسل منادياً يطوف أنحاء المدينة يقول : يامن أفتاه اليوم العز بن عبد السلام يقول لك العز ين عبد السلام إن فتواه غلط ، قال أهل العلم ساعتها لقد تفوق العز علي نفسه ولقبوه سلطان العلماء .
سابعاً : في مجال نصر الدين
يعلم المؤمن أن حياته فانية ، وأن الطريقة الوحيدة لضمان الامتداد والخلود في النعيم هو أن يقدم تلك النفس الفانية في سبيل شيء يبقي ويدوم ألا وهو الدين فإن الله تعالي قال ( هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفي بالله شهيداً ) وقال ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) وقال ( والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
ولهذا فإن العاقل من دخل في حلف مع الله ( ألا إن حزب الله هم الغالبون ) ويكون ذلك ببيع الفانية وشراء الباقية ( إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) وعلامة ذلك السعي لتحقيق مراد الله من خلقه في هذا الجانب .
مراد الله تبارك وتعالي من خلقه ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً ) .
إن أسمي صور إنكار الذات أن يجود المرء بنفسه فداءً لدعوة الله تبارك وتعالي ، ولئن كانت مقاييس الذكر والشرف بين الناس في حجم التضحيات التي يقدمونها لأوطانهم فما بالنا إذا كانت التضحية في سبيل تحقيق أمر ملك الملوك ومن بيده ملكوت كل شيء ؟
 وإليك بعض الصور :
1)  من الجهات الأربع فيسألهrساعة الهجرة يدور أبو بكر حول رسول الله   فيرد عليه بأن نفسه تحدثه أن العدو سيأتي من الخلف فيسارع ليسترالنبي   من خلفه ثم يتصور أن العدو سيأتي من الأمام فيسارع إلي الأمامrرسول الله   إذا كان هناك هجوموهكذا يتقلب بين الجهات الأربع ليكون فداءً لرسول الله   الدعوة التي لابد أن تبقي بينما هو فردمن العدو ، فهو يري في رسول الله  والأفراد كثيرون .
2)
خالد بن الوليد يعزله عمر عن قيادة الجيش وهو في مواجهات مع جيش الروم ويرسل بدلاً من أبا عبيدة بن الجراح ، وأخر أبو عبيدة إعلام خالد بقرار عزله حتى انتهت المعركة فعاتبه خالد علي ذلك ، فكانت إجابة أبي عبيده أنه لم يرد أن يضيع علي خالد نصراً يستحقه ، وفي صبيحة اليوم التالي يري الجند مشهداً نادراً ، فقائد الأمس ( خالد بن الوليد ) يقاتل اليوم كجندي تحت إمرة أبي عبيدة بن الجراح ، وقال كلمته المشهورة : إني لا أقاتل في سبيل عمر وإنما أقاتل في سبيل رب عمر .
3)
في قصة أصحاب الأخدود ينجو الغلام من بطش الملك المرة بعد المرة ، حينما صعدوا به جبلاً ليلقوه من عل اهتز الجبل وسقط جميع من أحاطوا به فعاد إلي الملك ولم يفر ، وفي المرة الثانية حمله أعوان الملك وأرادوا إغراقه في البحر فارتج البحر وغرقوا جميعاً وأيضاً لم يفر بل عاد إلي الملك وطالبه أن يستمع لما يأمره به وهو أن يجمع الناس في صعيد واحد وأن يصلبه علي خشبة طويلة وأن يأخذ سهما من كنانة الغلام وأن يقول باسم الله رب الغلام عندها فقط يمت الغلام ، وما إن فعل الملك ذلك حتى قالت البلدة جميعها آمنّا بالله رب الغلام ، مات الغلام وعاشت الدعوة .
هذا الموضوع تجميع من عدة مواقع و الفضل أولا و أخيرا لأصحاب الموضوعات و دوري هو تجميع الموضوع  أسألكم الدعاء

هناك تعليقان (2):

  1. جميل الموضوع ماشاء الله جزاكم اللة خيرا

    ردحذف
  2. أحسنت
    وجزاكم الله خيرا على المحهود الكبير
    تقبل الله منكم ونفعنا الله بما قرأناه
    وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه

    ردحذف