السبت، 1 يناير 2011

كيف تبحث مسألة فقهية؟


كيف تبحث مسألة فقهية؟ (منقول )
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن لبحث مسألة فقهية بحثًا علميًّا عدةَ خطوات، أهمها:
أولاً: قبل البدء ببحث المسألة:
هناك العديد من الأمور التي لا بد لطالب العلم من مراعاتها قبل أن يقدم على البحث في مسألة فقهية، ولعل من أهمها:
1- تجريد النية:
التفقُّه في الدين من أجلِّ العبادات وأعظمِها؛ ولذا فتجريد النية وإخلاصها شرطٌ لقبول الله له من العبد، وقد استفاضت النصوص التي جاءت ببيان ذلك وتجليته، ومنها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجه ُالله - عز وجل - لا يتعلَّمه إلا ليُصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها[1]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه... ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به، فعرَّفه نِعَمه فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم وعلَّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار))[2]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار))[3]، وفي رواية قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من تعلَّم العلم ليباهي به العلماء، ويجاري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله جهنم))[4].
وعلاوة على أن الأجر على التعلم لا يُدرَك إلا بحسن النية، فإن للنية الحسنة أثرًا في إصابة الحق والاهتداء للصواب؛ إذ طلب العلم نوعٌ من استهداء الله - تعالى - وقد قال - عز وجل -: ((فاستهدوني أهدكم))[5]، هذا غير اللَّذة والمتعة الحاصلة للمتعلم والباحث المخلص لله - تعالى.
 فانظر يا طالب العلم في نيتك، والأمر الذي تريده ببحثك، فإن كانت النية لربِّك خالصة، وكان مرادك الله والدار الآخرة، فامض في بحثك[6]، وإن كان في النية دَخَلٌ، فجرِّدها لله، واجعلها خالصة لوجهه - سبحانه - قبل أن تقدم على بحثك؛ فإن الله - تعالى - لا يقبل من العبد عملاً ليس خالصًا لوجهه - سبحانه - كما قال - تعالى - في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركَه))[7].
2- الرغبة في الوصول إلى الحق:
من أعظم واجبات طالب العلم توطينُه لنفسه على الدوران مع الحق حيث دار، بحيث يبحث في النصوص الشرعية بهدف اتِّباعها وتحكيمها، والانقياد لها ظاهرًا وباطنًا، لا بهدف قيادتها ولَيِّ معانيها، بحيث يأتيها وقد حدد مسبقًا الحكمَ الذي يريد استخراجَه منها، وما أتى إليها إلا ليعضِّد قوله وينتصر لرأيه؛ ولذا تجده مبادرًا إلى قبول النصوص التي يراها موافقةً لهواه وإن كانت ضعيفةَ الثبوت أو الدلالة، وفي الوقت نفسه تراه مجتهدًا في ردِّ النصوص التي تعارض هواه مهما بلغتْ قوة في الثبوت والدلالة؛ لأنه ليس مقصده أن يفهم مراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل أن ينصر رأيه كيفما تَأَتَّى له وأمكن، قال ابن حزم: "ولا أرقَّ دينًا ممن يوثق رواية إذا وافقتْ هواه، ويوهنها إذا خالفتْ هواه، فما يتمسك فاعلُ هذا من الدين إلا بالتلاعب"[8].
 وهذا - كما لا يخفى - عبادة للهوى، واتباعٌ لما تشتهيه الأنفس، يقول محمود شلتوت في كلام نفيس له ما نصه: "وقد يكون الناظر في الأدلة ممن تمتلكهم الأهواءُ، فتدفعه إلى تقرير الحكم الذي يحقق غرضه، ثم يأخذ في تلمُّس الدليل الذي يعتمد عليه ويجادل به، وهذا في الواقع يجعل الهوى أصلاً تُحمَل عليه الأدلة، ويحكم به على الأدلة، وهذا قلبٌ لقضية التشريع، وإفساد لغرض الشارع من نصب الأدلة"[9].
على أن من أعظم ما يعوق الباحثَ عن الوصول في بحثه إلى الحق التزامَه بمذهب معيَّن يسلِّم له بكل مسائله وترجيحاته، وقيامه بتقديم آراء أكابر مذهبه على النصوص الشرعية الثابتة، ومحاجته للآخرين بها، ومن الأمثلة الصارخة لهذا الزيغ قول الكرخي الحنفي - عفا الله عنه -: "كل آية تخالف ما عليه أصحابُنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فمؤولٌ أو منسوخ"[10]، ومعلوم أنه لا رأي لأحد مع النص الثابت، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية زيغَ ذلك، فقال - رحمه الله تعالى -: "وليس لأحدٍ أن يحتجَّ بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليلٌ مستنبَط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يُحتَج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية، ومن تربَّى على مذهب قد تعوَّده واعتقد ما فيه - وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء - لا يفرِّق بين ما جاء عن الرسول وتلقتْه الأمة بالقبول، بحيث يجب الإيمان به، وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسر أو يتعذر إقامة الحجة عليه، ومن كان لا يفرق بين هذا وهذا، لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام العلماء، وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم، مثل: المحدث عن غيره، والشاهد على غيره، لا يكون حاكمًا"[11]، وقال - رحمه الله -: "وليس لأحد أن ينصِّب للأمة شخصًا يدْعو إلى طريقته، يوالي عليها ويعادي، غير كلام الله ورسوله وما اجتمعتْ عليه الأمَّة؛ بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرِّقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادُون"[12].
فعلى من يحرص على الوصول للحق أن يتجرد في البحث، وأن يحذر اتباع الهوى، وإياه والتعصبَ والجمود؛ فإن عاقبة ذلك وخيمة دنيا وأخرى.
3- البحث عن العلم الذي يعمل به:
بالبحث الدؤوب، والقراءة المتواصلة، والسؤال عما أشكل، تزداد معرفةُ العبد، ويتجلى له الحق.
ولكن المعرفة ذاتها ليستْ بغاية في ذاتها يسعى إليها العبد؛ بل هي وسيلة للاعتقاد الحسن، والفعل الصائب، وطريق لمهابة الله وخشيته وخوف عقابه.
وقد كان ذلك منهجَ السلف الصالح، وقد استفاضت الآثار عنهم في الدلالة على ذلك، وبيان أن العلم النافع هو ذلك الذي يقود صاحبَه للخشية، ويدفعه للعمل، ومنها:
قول أبي بن كعب - رضي الله عنه -: "تعلموا العلم واعملوا به، ولا تتعلموه لتتجملوا به؛ فإنه يوشك إن طال بكم زمان أن يُتَجَمَّل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه"[13]، وقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "يا أيها الناس، تعلموا، فمن علم فليعمل"[14]، وقول أبي الدرداء - رضي الله عنه -: "إن من أشر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة عالمًا لا ينتفع بعلمه"[15]، وقول الحسن البصري: "إنما الفقيه: العالم في دينه، الزاهد في دنياه، الدائم على عبادة ربه"[16]، وقول الفُضيل: "من أوتي علمًا لا يزداد فيه خوفًا وحزنًا وبكاء، خليق بألاَّ يكون أوتي علمًا، ثم قرأ: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} [النجم: 59، 60]"[17]، وقال التيمي: "من أوتي من العلم ما لا يبكيه، خليق ألاَّ يكون أوتي علمًا ينفعه؛ لأن الله نَعَتَ العلماء، ثم قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109]"[18]، وقد تجاوز السلف في ذلك مجرد الحث والدعوة إلى التطبيق، كما قال الحسن البصري: "قد كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشُّعه وهديه، ولسانه وبصره وبرِّه"[19]، وكما قال مالك: "أدركت الناس وما يعجبهم القول، إنما يعجبهم العمل"[20].
فيا من فاق كثيرًا من الناس بعلمه، ما أجدر بك أن تفوقهم بعملك! واعلم بأن العالم من وافق علمه عمله، واحرص إذا أحدث الله لك علمًا أن تُحدِث له به عبادة وعملاً.
وإن من أعظم الأمور المُعِينة لك على ذلك: أن تُعرِض عن البحث في المسائل النظرية التي لا يترتب عليها كبير فائدة أو عمل[21]، وأن تترك المراء فيما تبحث؛ لأنه يقسِّي القلب، ويزرع الشحناء، ويورث الضغائن، قال الحسن البصري - حين رأى قومًا يتجادلون -: "هؤلاء قوم ملُّوا العبادة، وخفَّ عليهم القول، وقلَّ ورعهم، فتكلَّموا"[22]، وأن تتذكر أن العمر قصير محدود، فلا تجعله يذهب عليك سُدًى فيما لا ينفع.
4- امتلاك القدرة على البحث:
لا بد للشخص الذي يريد الإقدام على بحث مسألة من أن يكون قادرًا على ذلك، ولعل من أهم ما يجب توفره فيمن يريد بحث مسألة فقهية، ما يلي:
أ- معرفة اللغة العربية وفنون القول فيها[23].
ب- معرفة المسائل الهامة في أصول الفقه، وأهمها:
- الأدلة الشرعية ومراتبها.
- الحكم الشرعي وأقسامه.
- دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط.
- الناسخ والمنسوخ.
- التعارض والترجيح.
- ترتيب الأدلة.
- مقاصد التشريع.
ج- جمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع البحث.
د- القدرة على معرفة صحة الأحاديث من ضعفها، سواء أكان ذلك بتخريجها ودراسة أسانيدها، أم بالقدرة على مراجعة كلام أهل العلم فيها.
هـ- الاطلاع على تفسير الآيات المتعلقة بالبحث من كتب التفاسير المعتمدة، وبخاصة من كتب تفاسير آيات الأحكام.
و- الاطلاع على شروح الأحاديث المتعلقة بالبحث، وبخاصة من تلك الكتب التي عنيت بشرح أحاديث الأحكام.
ز- معرفة أهم الكتب الفقهية المعتمدة في كل مذهب، والمدونات الفقهية غير المذهبية والتي حرصت على مراعاة الدليل.
ح- العناية بمعرفة مذاهب الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين، وأئمة الفقه المتقدمين.
ط- الأناة وعدم العجلة، والصبر على مشاق البحث وتجاوز صعابه.
ي- التفرغ الذهني عند القيام بجمع معلومات البحث وتمحيص مسائله ودراستها.
ك- وجود رغبة جادة، ودوافع قوية في موضوع البحث.
ل- لا بد لمن كان مبتدئًا في البحث من أن يكون له شيخ متمرس يرعاه ويشرف عليه.
5- الاستعانة بالله واللجوء إليه:
يشغل كثيرًا من العباد صورةُ العمل وحسن القصد عن الاستعانة بالله - تعالى - وإظهار الافتقار والحاجة إليه[24]، وهذا خطأ فاحش؛ إذ أجمع العالمون بالله - تعالى - على أن كل خير يحصل للعبد فأصلُه بتوفيق الله له، وما استُجلب التوفيقُ بمثل المبالغة في الدعاء والمسألة وطلب المعونة، والاستكثار من إظهار الافتقار ومسيس الحاجة، ولا فات إلا بإهمال ذلك[25]، وقد كانت تلك طريقةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - والهدي الذي سار عليه، فها هو - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح صلاة الليل داعيًا: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))[26]، وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَزل أو أُزل))[27]، ولم يكتفِ بدعائه؛ بل كان يوجِّه أصحابه إلى ذلك قائلاً: ((سلوا الله علمًا نافعًا، وتعوَّذوا بالله من علم لا ينفع))[28].
وقد كان هذا ديدنًا للسلف وهديًا لهم، ولعل من أجلى صور استعانتهم بالله على التعلُّم والوصول للحق عبر البحث والمطالعة، ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عن نفسه، فقال: "ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل اللهَ الفهمَ، وأقول: يا معلِّم آدم وإبراهيم، علِّمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله - تعالى - وأقول: يا معلم إبراهيم، فهمني"[29].
وكثرة العلوم والمراجع بين يدي الباحث لا تنفعه إذا لم يُعِنْه الله - سبحانه وتعالى - على الوصول إلى الحق، قال ابن تيمية: "وقد أوعبتِ الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابًا، فمن نوَّر الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزدْه كثرةُ الكتب إلا حيرة وضلالاً"[30].
فأكثرْ - يا طالب العلم - من دعاء الله والتضرع بين يديه، وسؤاله العون والتسديد، وإياك أن يكون نصيبك الخذلان من هذا السبيل.
ثانيًا: خطوات البحث:
لكي يتم بحث مسألة فقهية بحثًا جادًّا؛ لا بد من سلوك الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: جمع مصادر البحث الأساسية:
وفي هذا الجانب يحسن التنبيه على الأمور التالية:
1- تكاد أن تكون المصادر الأساسية لبحث مسألة فقهية ما يلي:
- الآيات القرآنية المتعلِّقة بالمسألة محل البحث، وتفسيرها من كتب التفاسير المعتمدة، وبخاصة تلك الكتب التي عنيت بتفسير آيات الأحكام[31].
- الأحاديث النبوية المتعلقة بالمسألة محل البحث وشروحها، وبخاصة تلك الشروح التي عنيت بشرح أحاديث الأحكام[32].
ولا بد للباحث في الأحكام من معرفة صحة الحديث من ضعفه؛ حتى يتمكن من البناء عليه؛ ولذا فلا بد له من الرجوع إلى الكتب التي اهتمتْ بتخريج الأحاديث وبيان مدى صحتها من ضعفها[33].
- الكتب التي عني أصحابها بتدوين الإجماع في المسائل الفقهية[34].
- الكتب التي عني أصحابها بذكر فتاوى الصحابة وأئمة التابعين[35].
- الكتب المعتمدة في كل مذهب من المذاهب الأربعة، مع العناية بتحرير أقوال الأربعة أنفسهم، وأقوال أتباعهم[36].
- الكتب التي عني أصحابها بجمع اجتهادات بعض أئمة الفقه، مثل "موسوعة فقه الإمام الثوري"، و"موسوعة فقه الإمام الأوزاعي" ونحوهما.
- الكتب والدراسات الفقهية التي اعتنتْ بإيراد الخلاف وعرض أدلة الأقوال المختلفة[37].
- الكتب والدراسات الفقهية التي حرص أصحابها على اعتماد الدليل من دون الالتزام بأصول مذهب من المذاهب المعتبرة[38].
- كتب الفتاوى[39].
- الكتب الفقهية المصنفة في أبواب، أو موضوعات، أو مسائل فقهية خاصة[40].
2- إدراك طبيعة المصنفات الفقهية وخصائصها وأنها ليست سواء من حيث ذكر الخلاف وإيراد الأدلة والترجيح:
ففي ذكر الخلاف: منها ما لا يذكر خلافًا؛ بل يقتصر على إيراد ما عليه المذهب، ومنها ما يورد خلافًا؛ لكنه يقتصر على إيراد الخلاف داخل المذهب، ومنها ما يتجاوز ذلك إلى ذِكر الخلاف مع المذاهب الأخرى.
وفي إيراد الأدلة: منها ما لا يورد الأدلة، ومنها ما يوردها، والكتب التي تورد الأدلة منها ما يناقش الأدلة الأخرى، ومنها ما لا يناقشها.
وفي الترجيح: منها ما يقتصر على إيراد ما يراه راجحًا فقط، ومنها ما يورد الأقوال ولا يرجِّح بينها، ومنها ما يورد الأقوال ويرجح بينها.
3- تختلف المصنفات الفقهية من حيث الشكل اختلافًا بيِّنًا؛ إذ منها:
- المطولات: وهي التي اهتم أصحابها فيها ابتداءً بإيراد المسائل الفقهية بنوع من البسط.
- المتون والمختصرات: وهي التي اختصر أصحابها فيها كتبًا مطولة، أو ألَّفها أصحابها ابتداء بطريقة مختصرة.
- الشروح: وهي التي قام أصحابها فيها بتناول كتب أخرى بالشرح والإيضاح.
- الحواشي: وهي التي علق أصحابها فيها على مواضعَ من شروح المختصرات؛ بهدف التأييد، أو الاعتراض، أو الإيضاح.
- المنظومات الفقهية: وهي التي نظم أصحابها فيها مسائل بعض المتون الفقهية، أو شيئًا من مسائل الفقه دون الارتباط بكتاب.
4- تختلف طريقة المصنفات الفقهية في ترتيب الكتب والأبواب داخلها من مذهب إلى آخر، كما أن المصنفات الفقهية داخل المذهب الواحد تختلف أيضًا؛ نظرًا لتطور الترتيب الفقهي للكتب والأبواب زمنًا بعد آخر، وما لم يدرك الباحثُ هذا الأمرَ بصورة جيدة فقد يضل الطريق في الوصول إلى المعلومة[41].
5- يعد المحلى لابن حزم من أهم الكتب الفقهية التي اعتنتْ بالدليل وأوْلتْه عنايتها، وناقشتْ أدلة الأقوال الأخرى، وبيَّنتْ ضعف أوجه الاستدلال بها من وجهة نظر ابن حزم، وسيفيد الباحث أيما فائدة في هذا الجانب، لكن الباحث المبتدئ لا يُنصح أبدًا بالرجوع إليه للأسباب التالية:
- ظاهرية ابن حزم المفرطة في فهم النصوص والتعامل معها في الفروع خاصة[42].
- ضعف لغتُه الفقهية، وميله إلى الجزم بالأقوال التي يقول بها، مع أن كثيرًا من الاختلافات معتبرة، والأمر لا يعدو أن يكون صحيحًا وأصح، أو ظاهرًا وأظهر، وإن تجاوز الأمر ذلك فراجحًا وأرجح.
- تطاوله في أحيان كثيرة على أهل العلم الذين يناقش أقوالهم بعبارات قاسية، وفي أحيان قد تكون نابية[43].
6- أهمية الاستفادة من البرامج الشرعية على أجهزة الحاسوب في البحث؛ نظرًا لتقريبها للباحث كثيرًا من المعلومات التي يحتاجها، مع التنبه لما يقع فيها من تصحيفٍ أو سقط.
7- المصادر التي يمكن أن تخدم الباحث في المسائل الفقهية عديدةٌ وكثيرة، ورجوعُه إلى جميعها في كل مسألة من مسائل بحثه قد يعوقه عن إتمامه؛ ولذا فمن المستحسن أن يقوم الباحث بتقسيم المسائل إلى نوعين:
النوع الأول: مسائل أشبعها أهل العلم بحثًا، وهذه يحسن بالباحث الرجوع فيها إلى المصادر التي عُرفت بالتحقيق وحسن المناقشة والعرض للأقوال وأدلتها، بالإضافة إلى مصدر أو مصدرين من الكتب المعتمدة في كل مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة؛ لتوثيق النسبة، ومعرفة القول المختار في المذهب، وأدلته، وأوجه ترجيحه، والطريقة التي تمت بها مناقشة الأقوال الأخرى.
النوع الثاني: مسائل لم تُبحث بعدُ، أو بحثت ولكن ما تزال محتاجة إلى مزيد تمحيص ونظر، مثل مسائل النوازل الفقهية، وهذه لا بد فيها من محاولة استقصاء جميع ما كتب حولها، والاستفادة منها بقدر الإمكان[44].
8- من الأهمية بمكان حين المطالعة في المصادر الفقهية المختلفة مراعاةُ وجود مصطلحات حرفية وكلمية خاصة بكل مذهب، تشير في أحيان إلى بعض أئمة المذهب، أو كتبهم، أو المذاهب والآراء، أو الاختيار والترجيح، وفي أحيان لا تكون تلك المصطلحات عامة في كل كتب المذهب؛ بل ربما كانت خاصة بكتابٍ دون غيره.
الخطوة الثانية: تحديد مسألة البحث:
وهنا يحسن التنبيه على الأمور التالية:
- أن كثيرًا من النتائج غير الصحيحة التي يصل إليها طالب العلم في بحثه، تعود إلى عدم تصور المسألة المبحوثة وتحديدها بدقة.
- الخطوات المقترحة للوصول إلى تحديد دقيق للمسألة هي:
أ- القراءة في الموضوع بغرض تصور المسألة وتحديد جوانبها، لا الوصول إلى حكمٍ محدد حيالها.
ب- تحرير محل النزاع عن طريق:
* تحديد الجوانب المتفق عليها في المسألة بين أهل العلم.
* تحديد الجوانب المختلف فيها في المسألة بين أهل العلم، وبيان سبب ذلك.
الخطوة الثالثة: جمع المادة العلمية ودراستها:
وهنا يحسن التنبيه على الأمور التالية:
- ينبغي التفريق بين حالتين من حالات البحث:
الأولى: حالة كون المسألة المبحوثة واحدة، وهذه لا إشكال فيها؛ لأن الباحث سيعمد إلى جمع المادة العلمية المتعلقة بها، ومن ثمَّ دراستها وتمحيصها، ومن ثمَّ صياغتها.
الثانية: حالة كون البحث يتناول أكثر من مسألة، وهنا يوجد أمام الباحث خياران:
أ- جمع كل ما يتعلق بكل مسألة على حدة، ومن ثم دراستها وتمحيصها والانتهاء من صياغتها، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى المسألة الأخرى جمعًا ودراسة وصياغة، وهكذا.
ب- جمع كل ما يتعلق بمسائل البحث في كل مصدر وتدوينها في أوراق أو بطاقات، بحيث لا يتم الرجوع إلى ذلك المصدر مرة أخرى، ومن ثم الانتقال بعد ذلك إلى مصدر آخر وجمع مادة البحث الموجودة فيه وتدوينها كما سبق، وهكذا يفعل مع المصادر الأخرى إلى أن تنتهي، ومن ثم يتم تصنيف المادة العلمية المدونة في الأوراق أو البطاقات حسب مسائل البحث، ثم يتم دراسة وتمحيص وصياغة كل مسألة من
مسائله على حدة، وبعد الانتهاء منها يتم الانتقال إلى المسألة الأخرى، وهكذا.
- لا ينبغي لطالب العلم أن يلجأ في بحثه إلى تشقيق المسائل تشقيقًا مخلاًّ، وعلى ذلك فينبغي له أن يُعرض عما قد يجد في المسألة محل البحث من أقوالٍ متهالكة ليس عليها أثارةٌ من علم، إلا على سبيل التنبيه عليها، وتحذير الآخرين من الاغترار بها.
- تكثر الرموز والمصطلحات الفقهية في غالب المصادر والمراجع الفقهية، كما أن كثيرًا من المدونات الفقهية حرصتْ على الإيجاز حرصًا جعلها تقرب من الإلغاز، وهذا مما يزيد من عبء الباحث، ويعظم من مسؤوليته في تفهم أقوال الفقهاء، ومرامي عباراتهم، وأوجه استدلالاتهم بالنصوص.
- أثناء قيام الباحث بدراسة المسألة وتمحيصها لا بد من احترازه من مسلكين معيبين في الدراسات الفقهية:
الأول: مسلك من يهتم بتحرير المسألة وذكر تفريعاتها نقلاً عن كتب الفقهاء، دون أن يعتني بإيراد الأدلة، والتأكد من مدى ثبوتها وصحة دلالتها على المسألة.
الثاني: مسلك من يهتم بإيراد الأدلة ومدى ثبوتها، لكنه يهمل تحرير المسألة فقهيًّا، وغالبًا لا يهتم بدقة دلالة النصوص على المسألة المبحوثة، وهذا المسلك يكثر في عصرنا لدى المشتغلين بالحديث النبوي وتخريجه.
ولو أن الباحث جمع بين المسلكين، فاهتم بتحرير المسألة وتدقيقها، وتأكد من ثبوت الأدلة ووجه الدلالة منها، واعتنى بأقوال الصحابة والسلف، لكان في ذلك خير كثير.
- مرحلة دراسة المسألة وتمحيصها من أهم المراحل التي ينبغي لطالب العلم - وبخاصة المبتدئ - أن يقوم فيها بمراجعة أهل العلم، وسؤال أهل الاختصاص، وبخاصة في المسائل المشكلة.
الخطوة الرابعة: الترجيح ومناقشة الأدلة:
وهنا يحسن التنبيه على أمور:
- إدراك خطورة الترجيح، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتق من يقوم به، وفي المقابل إدراك أهميته، وضرورة قيام الراسخين من أهل العلم به.
- يحسن بالباحث في هذه الخطوة أن يذكر القول الراجح، ويبيِّن أوجه رجحانه، ثم يناقش أدلة الأقوال الأخرى ويجيب عنها[45]، ثم يبين إن كان للخلاف ثمرة أم لا.
- من الأمور الهامة التي لا بد لطالب العلم من التنبه لها قبل أن يخوض غمار الترجيح بين الأقوال، والمقارنة بين أدلتها، والمناقشة لها، ما يلي:
1- ضرورة جمع النصوص في الباب الواحد، قال الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمع طرقه، لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضًا"[46]، وجمعُ النصوص يزيل كثيرًا من الالتباس والاختلاف، قال ابن تيمية: "وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرًا بها وبدلالتها على الأحكام"[47].
2- معرفة أن جميع الأدلة الشرعية الصحيحة يجب اتباعُها والعمل بها، لكن لا ينظر الباحث في القياس والأدلة المختلف فيها، إلا عند فقد النص والإجماع؛ إذ لا اجتهاد مع النص أو الإجماع.
3- الأدلة الشرعية الصحيحة متفقة لا تتعارض ألبتة، فإذا وُجد نصان متعارضان لا يمكن الجمع بينهما بطرق الجمع المعتبرة عند أهل الشأن، فأحدهما إما غير ثابت، وإما منسوخ.
وإذا وجد تعارض بين نص وقياس، فأحدهما غير صحيح.
4- الأدلة منها السمعي ومنها العقلي، وكل منهما قد يكون قطعيًّا وقد يكون ظنيًّا، فالأدلة القطعية أيًّا كانت لا تتعارض بالاتفاق؛ لأن تعارضها يلزم منه اجتماع النقيضين، وهو محال.
وإذا تعارض قطعي وظني، عُمل بالقطعي - سمعيًّا كان أو عقليًّا - لأن الظن لا يَرفع اليقينَ[48].
5- القول بالتعارض بين الأدلة شديد؛ ولذا فالواجب التثبُّت من صحة الأدلة، والتعمق في فهمها[49]، والحرص على درء التعارض بينها بقدر الإمكان.
6- على الباحث حين يقوم بمناقشة الأدلة والترجيح بين الأقوال، أن يحذر من الوقوع في إحدى ظاهرتين:
الأولى: التفريط والتساهل في عرض الأحكام وتقريرها باسم التيسير على الناس، ورفع الحرج عنهم.
الثانية: التضييق على الناس والتشديد عليهم باسم الانضباط بالشرع، والمحافظة على الأصول.
7- التعارض المعتبر الذي يحتاج إلى نظر، هو الذي يقع بين الأدلة الظنية، فإذا وقع تعارض بين دليلين ظنيين، فالواجب على الترتيب: الجمع إن أمكن، فإن تعذر الجمع وعرف التاريخ، قيل بالنسخ، فإن لم يعرف المتأخر، فعلى الباحث أن يلجأ إلى الترجيح لأحدهما بدليل، فإن عجز عن الترجيح، فالواجب التوقف[50]، فإن اضطر إلى العمل، وكانت هذه حاله، فليقم بتقليد أحد المجتهدين[51].
8- لا بد لطالب العلم أثناء الترجيح من التأني في إطلاق الأحكام، وعدم التسرع في الجزم والصرامة في الأحكام التي يختارها، وأن يتجنب إطلاق ألفاظ التحليل والتحريم، والحق والباطل، والصحة والخطأ بقدر الإمكان، إلا عندما يكون متيقنًا من أن الأمر كذلك، قال الأعمش: "ما سمعتُ إبراهيمَ يقول قط: حلال ولا حرام، إنما كان يقول: كانوا يكرهون، وكانوا يستحبون"[52]، وقال الربيع بن خثيم: "إياكم أن يقول الرجل لشيء: إن الله حرَّم هذا ونهى عنه، فيقول الله: كذبتَ، لم أحرِّمه ولم أنهَ عنه، قال: أو يقول: إن الله أحلَّ هذا وأمر به، فيقول: كذبتَ، لم أحلَّه ولم آمرْ به"[53]، وقال مالك: "لم يكن من أمر الناس، ولا من مضى من سلفنا، ولا أدري أحدًا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسنًا، ونتَّقي هذا، ولا نرى هذا"[54].
9- حينما يختار الباحث قولاً، ويقوم بمناقشة الأقوال الأخرى، وبيان أوجه رجحانها، فلا ينبغي له تجاوز نقد الأقوال إلى أصحابها، والتشنيع على المخالفين وتسفيه آرائهم؛ بل عليه التأدب معهم، والتماس العذر لهم بقدر الإمكان.
10- حين يجد الباحث في المسألة قولاً معتبرًا ولا يجد له دليلاً، أو يجد له أدلة غير معتبرة، ويرى وجود أدلة قوية له، فعليه ذِكرها، ووجوه الدلالة منها.
11- إذا لم يتمكن الباحث من الترجيح الكلي بين الأقوال، فبإمكانه اللجوء إلى الترجيح الجزئي، كأنْ يقول: وهذه الأقوال الثلاثة أقوى الأقوال أو أضعفها، وحين لا يتبين له شيء من ذلك، فليتوقف ولا يقدم على شيء لا يستطيعه؛ لأنَّ الأمر عبادة ودين، ولأنْ يترك المرءُ الترجيح في بعض المسائل - حتى يفتح الله له فيها ولو بعد حين - خيرٌ له من أن يرجح مع وجود إشكال لديه، وسلفُه في ذلك كثير من الأئمة؛ فقد توقفوا في مسائلَ عديدة، وهم من هم علمًا واستنباطًا.
الخطوة الخامسة: تدوين المسألة وصياغتها:وهنا يحسن التنبيه على أمور:
- في تدوين المسألة أمام الباحث خياران:
الأول: تدوينها حسب الأقوال التي فيها لا القائلين بها، وبعد ذلك يتم نسبة كل قول إلى قائله، وحين ترتيبها في الصياغة يبدأ بعرض القول الأقوى ثم الذي يليه، وهكذا، فإن لم يظهر للباحث أيها أكثر قوة، بدأ بالقول الذي قاله المتقدم، فيبدأ بقول الحنفية، فقول المالكية، وهكذا، وهذا الخيار هو الأولى.
الثاني: تدوينها حسب القائلين لا الأقوال التي فيها، ويبدأ عند ذلك بالقول الذي قاله المتقدم، فيبدأ بقول الحنفية، فقول المالكية، فقول الشافعية، فقول الحنابلة.
- يحسن بالباحث الاقتصار في نسبة الأقوال على المذاهب الفقهية الأربعة، إلا أنْ يرى خلافًا معتبرًا لها من قِبل إمام معتبر، فعند ذلك يدوِّن خلافه لها ناسبًا ذلك إليه.
- حين عرض الأدلة لا بد من ترتيبها حسب منزلتها، بحيث تقدم الأدلة النقلية على الإجماع والأدلة العقلية، ويقدم الإجماع على الأدلة العقلية، وفي الأدلة النقلية يقدم الكتاب على السنة.
- حين تدوين أدلة الأقوال يحسن بالباحث الإعراض عن إيراد الحجج الضعيفة والبراهين الواهية، إلا على سبيل التنبيه لما يحتاج إلى ذلك.
- العناية بصياغة المسألة صياغةً تربوية، تدفع قارئها إلى التطبيق، وتجعله يسارع إلى الامتثال والعمل.
- في عرض الأدلة أمام الباحث خياران:
أ- أن يعرض أدلة كل قول بعد عرض القول مباشرة، بحيث يعرض الدليل، ووجه الدلالة منه، والاعتراض عليه، والجواب عن ذلك، وهذا أولى.
ب- أن يؤخر عرض الأدلة، ووجه الدلالة منها، والاعتراضات عليها، والأجوبة عن ذلك، إلى بعد الانتهاء من عرض الأقوال كلها.
- يحسن أن يتم تدوين المسألة على مرحلتين - كحد أدنى -:
الأولى: يتم التركيز فيها على تدوين القضايا الكلية في المسألة بدقة.
الثانية: يتم التركيز فيها على تدقيق المسألة وتمحيصها، وتدوين القضايا الجزئية بدقة.
وإلا فإنه سيحصل - في الغالب - قصورٌ ظاهر في جوانب البحث الكلية والجزئية.
- أثناء القيام بتدوين المسألة ينبغي مراعاة ما يلي:
أ- الحرص على اختيار العبارات، ووضوح الأسلوب، وتلاؤم ذلك مع طبيعة البحث الفقهية.
ب- جودة العرض، وحسن الترتيب.
ج- الاعتناء بالأمثلة المعاصرة.
د- تحويل المقاييس والموازين إلى المقاييس المعاصرة.
هـ- ربط الأحكام الفقهية بالسلوك والجانب العملي.
و- نقد الواقع في ضوء ما قرره الباحث.
- مراعاة الأصول العلمية للبحث، والتي من أهمها:
* ترقيم الآيات، وتخريج الأحاديث والحكم عليها.
* الأمانة في النقل، والدقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها[55].
* الاعتماد على المصادر الأصلية، وعدم اللجوء إلى الثانوي منها، إلا عند الحاجة.
* شرح الغريب، وتوضيح المصطلحات.   * العناية بقواعد اللغة والإملاء وعلامات الترقيم.
* وضع فهارس فنية فيما يحتاج إليه.


[1] "سنن أبي داود"، رقم: 3664، وصححه الألباني في "صحيح السنن"، رقم: 3112.
[2] "صحيح مسلم"، رقم: 1905.
[3] "سنن ابن ماجه"، رقم: 254، وصححه الألباني في "صحيح السنن"، رقم: 206.
[4] "سنن ابن ماجه"، رقم: 260، وحسنه الألباني في "صحيح السنن"، رقم: 209.
[5] "صحيح مسلم"، رقم: 2577.
[6] وتشمل النية الصالحة - مع التعبد لله بطلب العلم -: نية رفع الجهل عن نفسه، ونية تصحيح عبادته وطاعته، ونية نفع الناس وإفادتهم.
[7] "صحيح مسلم"، رقم: 2985.
[8] "المحلى"، 4/ 180.
[9] "البدعة: أسبابها ومضارها"، لشلتوت، 24.
[10] "الرسالة في أصول الحنفية"، للكرخي - مطبوع مع "تأسيس النظر"، للدبوسي -: 169.
[11] "مجموع الفتاوى"، لابن تيمية، 26/ 202 - 203، وليس مراده - رحمه الله - تنقص أحد من أهل العلم؛ وإنما التحذير من زلاَّتهم؛ ولذا نجده - رحمه الله تعالى - يقول - كما في "الفتاوى الكبرى"، 2/ 23 -: "وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء، كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم أهله"، ونجده - رحمه الله - يقول - كما في "الفتاوى الكبرى"، 3/ 178 -: "دين الإسلام إنما يتم بأمرين: أحدهما: معرفة فضل الأئمة وحقوقهم ومقاديرهم، وترك كل ما يجر إلى ثلمهم، والثاني: النصيحة لله - سبحانه - ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وإبانة ما أنزل الله - سبحانه - من البينات والهدى".
[12] "مجموع الفتاوى"، لابن تيمية، 20/ 164.
[13] "جامع بيان العلم وفضله"، لابن عبدالبر، 1/ 693، رقم: 1226.
[14] "العلم"، لأبي خيثمة، 6.
[15] "سنن الدارمي"، رقم: 262.
[16] "شعب الإيمان"، للبيهقي، 2/ 296، رقم: 1834.
[17] "شعب الإيمان"، للبيهقي، 2/ 291، رقم: 1811.
[18] "المصنف"، لابن أبي شيبة، رقم: 35360.
[19] "الزهد"، لابن أبي عاصم، 1/ 285.
[20] "جامع بيان العلم وفضله"، لابن عبدالبر، 1/ 697، رقم: 1235.
[21] ومن ذلك: الإغراق في التعريفات وبحث المسائل التي يندر وقوعها.
[22] "فضل علم السلف"، لابن رجب، 51 - 52.
[23] ويشمل ذلك: معرفة غريب اللغة، ودلالات الألفاظ، ومعرفة الإعراب؛ إذ به يختلف المعنى، ومعرفة البلاغة والحقيقة والمجاز.
[24] يقسم ابن القيم في "مدارج السالكين"، 1/ 99، أحوال الناس في العبادة والاستعانة إلى أربعة أقسام: القسم الأول: من جمع عبادة واستعانة، وهذا أجل الأقسام وأفضلها، الثاني: المعرضون عن العبادة والاستعانة، وهو أسوأ الأقسام وشرها، الثالث: من ليس له عبادة وله استعانة بالله على حظوظه وشهواته، ومن كانت هذه حاله فأسعف بحاجته وقضيت له، فإن ذلك لا يعني علو مرتبته، ومحبة المولى له، وأنه من أولياء الله المقربين، الرابع: من له نوع عبادة بلا استعانة، وهذا يكثر في الصالحين، قال ابن القيم: "فهؤلاء لهم نصيب من التوفيق والنفوذ والتأثير، بحسب استعانتهم وتوكلهم، ولهم من الخذلان والضعف والمهانة والعجز، بحسب قلة استعانتهم وتوكلهم، ولو توكل العبد على الله حقَّ توكله في إزالة جبل عن مكانه، وكان مأمورًا بإزالته، لأزاله".
[25] انظر: "الفوائد"، لابن القيم، 97.
[26] "صحيح مسلم"، رقم: 770.
[27] "سنن أبي داود"، رقم: 5094، وصححه الألباني في "صحيح السنن"، رقم: 4248.
[28] "سنن ابن ماجه"، رقم: 3843، وصححه الألباني في "صحيح السنن"، رقم: 3100.
[29] "العقود الدرية"، 26.
[30] "الفتاوى"، 10/ 665.
[31] لعل من أهم كتب التفسير التي عنيت بالأحكام: "أحكام القرآن" للجصاص الحنفي، "أحكام القرآن" لابن العربي المالكي، "أحكام القرآن" للهراس الشافعي، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، "أضواء البيان" للشنقيطي.
على أن كتب التفسير المطولة لا تخلو من ذكرٍ للأحكام، كـ"جامع البيان" للطبري، و"المحرر الوجيز" لابن عطية، و"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير، و"البحر المحيط" لأبي حيان.
[32] لعل من أهم الشروح الحديثية التي اختصت بشرح أحاديث الأحكام: شروح "عمدة الأحكام" للمقدسي، ومن أهم ما طبع منها: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد، "الإعلام" لابن الملقن، "العدة للصنعاني".
ومنها: "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي، "سبل السلام" للصنعاني، "نيل الأوطار" للشوكاني.
وتعد الشروح الحديثية المطولة من أهم مصادر الفقيه، ولعل من أبرزها:
شروح صحيح البخاري، وأهمها: "فتح الباري" لابن حجر، "عمدة القاري" للعيني، "إرشاد الساري" للقسطلاني.
ومنها: شروح مسلم، ومن أهمها: "المعلم" للمازري، والكتب التي أكملته كـ: "إكمال المعلم" لعياض، و"إكمال إكمال المعلم" للأبي، "مكمل إكمال الإكمال" للسنوسي، ومنها: "المنهاج" للنووي، و"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" لأبي العباس القرطبي.
ومنها: شروح السنن الأربع، ومن أهمها: "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم أبادي، "بذل المجهود في حل أبي داود" خليل السارنغوري، "عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي" لابن العربي، "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي" للمباركفوري.
ومنها: شروح الموطأ والكتب التي خدمته، ومن أهمها: "التمهيد" و"الاستذكار" لابن عبدالبر، "المنتقى" للباجي، شرح الزرقاني.
ومنها: "شرح السنة" للبغوي، "فيض القدير" للمناوي.
[33] لعل من أهم الكتب المفيدة في هذا الباب: "نصب الراية" للزيلعي، "التلخيص الحبير" لابن حجر، "الجامع الصغير" للسيوطي، كتب الألباني، ومن أهمها: "إرواء الغليل"، والسلسلتين الصحيحة والضعيفة، "صحيح الجامع وضعيفه"، صحيح وضعيف السنن الأربع.
[34] من أهم كتب الإجماع المتداولة: "الإجماع" لابن المنذر، "مراتب الإجماع" لابن حزم مع نقده لابن تيمية، "موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي" لسعدي أبو حبيب، "إجماعات ابن عبدالبر في العبادات"، "موسوعة الإجماع لابن تيمية" كلاهما للبوصي، ومن أهم من عني بتدوين الإجماع من الأئمة في كتبه: ابن عبدالبر، وابن المنذر، والنووي، وابن هبيرة.
[35] ومن أهمها: "مصنف عبدالرزاق"، "مصنف ابن أبي شيبة"، "السنن الكبرى" للبيهقي، "الأوسط" لابن المنذر، "المحلى" لابن حزم.
[36] الكتب الفقهية المدونة في كل مذهب من المذاهب الأربعة كثيرة، والمتوافق منها مع ما استقر عليه المذهب ليس بالقليل؛ ولذا فحصرها مما يعسر، ولكن لعل من أهمها:
- بالنسبة للمذهب الحنفي: "شرح معاني الآثار" للطحاوي، "المبسوط" للسرخسي، "البحر الرائق" لابن نجيم، "فتح القدير" لابن الهمام، "تبيين الحقائق" للزيلعي، "البناية" للعيني.
- بالنسبة للمذهب المالكي: "الكافي" لابن عبدالبر، "المدونة الكبرى"، "الرسالة" لابن أبي زيد وشروحها كـ"الثمر الداني"، "مختصر خليل" وشروحه كـ"شرح الدردير وحاشية الدسوقي عليه"، "الذخيرة" للقرافي.
- بالنسبة للمذهب الشافعي: "المنهاج" للنووي وشروحه كـ"مغني المحتاج" و"نهاية المحتاج"، "المهذب" للشيرازي وشروحه كـ"المجموع" للنووي وتكملته للسبكي، "متن أبي شجاع" وشروحه كـ"الإقناع" للشربيني.
- بالنسبة للمذهب الحنبلي: "المغني" لابن قدامة، "شرح الزركشي على مختصر الخرقي"، "المبدع" لابن مفلح، "الإنصاف" للمرداوي، "كشاف القناع" و"الروض المربع" لمنصور البهوتي.
[37] لعل من أهم المصنفات التي تخدم الباحث في هذا الجانب: "الأم" للشافعي، "الأوسط" لابن المنذر، "الاستذكار" لابن عبدالبر، "المغني" لابن قدامة، "المجموع" للنووي، "الذخيرة" للقرافي، "المبسوط" للسرخسي، "فتح القدير" لابن الهمام، "الروضة الندية" لصديق خان، ومن الدراسات الحديثة: "الفقه الإسلامي وأدلته" للزحيلي، "الشرح الممتع" لابن عثيمين.
[38] لعل من أهم ما يخدم الباحث في هذا الجانب: الجهود الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجهود العلامتين الصنعاني والشوكاني، والجهود الفقهية لبعض أهل العلم المعاصرين كالعلامة الشنقيطي وابن سعدي وابن عثيمين، وبعض الرسائل الجامعية الجادة المتعلقة ببعض الموضوعات والمسائل الفقهية كـ"اختيارات ابن قدامة الفقهية" لـ.د. علي الغامدي.
[39] دونت فتاوى كثير من العلماء، وتعد الجوانب الفقهية من أكثر ما تم تناوله فيها، ولعل من أشهرها: "مجموع فتاوى ابن تيمية"، و"الفتاوى المصرية" و"الفتاوى الكبرى" له، "فتاوى النووي"، "فتاوى ابن الصلاح"، "فتاوى الشاطبي"، "فتاوى ابن حجر الهيثمي"، "فتاوى السبكي"، "فتاوى ابن رشد"، "الفتاوى الهندية"، "المعيار المعرب" للونشريسي، "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية".
[40] من الكتب الفقهية التي دونها أصحابها في موضوعات ومسائل خاصة: "الخراج" لأبي يوسف، "تحريم النرد والشطرنج والملاهي" للآجري، "الفروسية" لابن القيم، "فصول الأحكام" للباجي، كثير من البحوث والدراسات الجامعية التي اتجهت بقوة نحو هذا الأمر.
[41] راجع في الموضوع: "ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب الأربعة" لـ.د. عبدالوهاب أبو سليمان، وقد قام عبدالله آل سيف بوضع فهرست لمواضع الكتب والأبواب في أهم المصادر الفقهية في المذاهب الأربعة بعنوان: "اللباب في الدلالة على مواضع الكتب والأبواب".
[42] يقول ابن كثير في "البداية"، 15/ 796، مجليًا ذلك: "والعجب كل العجب أنه كان ظاهريًّا في الفروع، لا يقول بشيء من الأقيسة، لا الجلية ولا غيرها، وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرًا في نظره وتصرفه، وكان مع هذا من أشد الناس تأويلاً في باب الأصول؛ لأنه كان قد تضلع أولاً من علم المنطق".
[43] قال الذهبي في "السير"، 18/ 186، مبينًا حاله في ذلك: "فإنه رأس في علوم الإسلام، متبحِّر في النقل، عديم النظير على يبس فيه، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول... وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدَّب مع الأئمة في الخطاب؛ بل فجج العبارة، وسب وجدع، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادًا واستفادة، وأخذًا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجًا في الرَّصْف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون، وفي الجملة فالكمال عزيز، وكلٌّ أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم".
[44] من المفيد الاستفادة من بحوث المجامع الفقهية، مثل مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، والكتب المؤلفة لدراسة بعض النوازل، مثل: "فقه النوازل" لبكر أبو زيد.
[45] بمثل: أن يبين عدم ثبوت الدليل، أو دلالته للقول المختار ووجه ذلك، أو عدم دلالته على القول الذي استدل به له، أو وجود معارض أقوى منه، وهكذا.
[46] "الجامع لأخلاق الراوي"، 2/ 212.
[47] "الحسبة في الإسلام"، ص 65.
[48] انظر: "درء تعارض العقل والنقل"، لابن تيمية، 1/ 79، "شرح الكوكب المنير"، لابن النجار، 4/ 607 - 608.
[49] الفهم من أهم الملكات الفقهية التي ينبغي السعي لتنميتها، مع أن الناس متفاوتون فيها تفاوتًا عظيمًا، قال الإمام أحمد: "رب شخص يفهم من النص حكمًا أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين"؛ "مفتاح دار السعادة" 1/ 60.
[50] انظر: "شرح الكوكب المنير"، لابن النجار، 4/ 609، "مذكرة أصول الفقه"، للشنقيطي، 317.
[51] انظر: "شرح الكوكب المنير"، لابن النجار، 4/ 613.
[52] "سنن الدارمي"، رقم: 184.
[53] "جامع بيان العلم وفضله"، لابن عبدالبر، 2/ 1075، رقم: 2090.
[54] "جامع بيان العلم وفضله"، لابن عبدالبر، 2/ 1075، رقم: 2091.
[55] مما ينبغي التنبه له: أن ما في كتب المذاهب من الأقوال ليست بالضرورة هي اجتهادات الأئمة الأربعة؛ بل قد تكون من اجتهادات تلاميذهم؛ بل ومتأخري علماء المذهب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق