الأحد، 7 فبراير 2010

[الانضباط طريق التغيير ]

[الانضباط طريق التغيير ](3 ) تابع
المعينات على الانضباط وفق الأوامر الشرعية


أولاً: استشعار مراقبة الله و تعويدالنفس السمع و الطاعة :


فالمؤمن يوقن أن الله يسمعه ويراه فهو، دائمًا متيقظ الحس، مرهف الشعور، بعيدًا عن الغفلة والاسترخاء، كما قال الإمام البنا: فوصفه "أستطيع أن أتصور المجاهد شخصًا قد أعدَّ عدته، وأخذ أهبته، وملك الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا، إن دُعي أجاب، أو نُودي لبَّى, غدوه ورواحه، حديثه وكلامه، وجده ولعبه، لا يتعدى الميدان الذي أعدَّ نفسه له، لا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يعتمل في قلبه من ألمٍ دفين، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهِمّة عالية وغاية بعيدة.


أما المجاهد الذي ينام ملء جفنيه، ويأكل ملء ماضغيه، ويضحك ملء شقيه، ويقضي وقته لاهيًا ماجنًا فهيهات أن يكون من الفائزين أو يُكتب في عِداد المجاهدين".



وعلى الأخ المسلم أن يعود نفسه ويخضعها لطاعة وامتثال أمر القيادة وأن لا يدع مجالاً لا لقاءات الشيطان ووسوسات الكبر في نفسه فالنفوس العاتية يتعسر قيادتها ويصعب مقادها والكبر مرض عضال يقصم الظهور وباب إلى النفس يدخل منه الشيطان والطاعة والتواضع يأباها المتكبرون وتشق على نفوس المكابرين وهذا ( جبلة بن الأيهم ) تأبى عليه نفسه العاتية أن يخضع لحكم عمر أمير المؤمنين رضى الله عنه فيترك الإسلام ويتنصر ويفضل الضلالة على الهدى قال أبو عمر الشيباني :(لما أسلم جبلة بن الأيهم الغساني وكان من ملوك آل ( جفنة ) كتب إلى عمر يستأذنه في القدوم عليه فأذن له عمر فخرج إليه في خمسمائة من أهل بيته فسر عمر وأمر الناس باستقباله فلما انتهي إلى عمر رحب به وألطفه وأدنى مجلسه ثم أراد عمر الحج فخرج معه جبلة فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ إزاره رجل من بنى (فزارة ) فانحل فرفع جبلة يده فهشم انف الفزاري فاستعدى علي عمر فبعث إلى جبلة فأتاه فقال : ما هذا ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين إنه تعمد حل إزاري ولو لا حرمة الكعبة لضربت بين عيني بالسيف فقال له عمر : قد أقررت فإما ترضى الرجل وإما أن أقيد منكبك قال جبلة : وماذا تصنع بي ؟ قال عمر : آمر بشم أنفك كما فعلت قال جبلة وكيف ذلك يا أمير المؤمنين وهو سوقة وأنا ملك ؟ قال عمر :إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله بشيء إلا بالتقي والعافية قال جبلة : قد ظننت يا أمير المؤمنين إنني أكون في الإسلام أعز منى في الجاهلية قال عمر :دع عنك هذا فانك إن لم ترض الرجل اقدته منك قال جبلة : إذا أتنصر: قال عمر : إن تنصرت ضربت عنقك لأنك قد أسلمت فإن ارتددت قتلتك فلما رأى جبلة الصدق من عمر قال : أنا أنظر في هذا ليلتي هذه حتى إذا نام الناس خرج جبلة بخيله ورواحله إلى الشام هارباً ومنها إلى القسطنطينية وتنصر .



ثانيًا: إحساس المؤمن بثِقل التبعة وعِظم المسئولية الشعور الذاتي بالمسئولية :



والمسئولية في الإسلام ذات شقين اثنين مسئولية ( خاصة ) تتصل بخاصة النفس وما يترتب حيالها من تبعات وتكاليف فردية ومسئولية ( عامة ) تتجاوز النفس إلى الناس والمجتمع والعالم وما يترتب عليها كذلك في هذا النطاق من أعباء ومهمات وانطلاقاً من هذا التصور لنطاق ( المسئولية ) وآفاقها .


نود أن نناقش مع الأخوة الدعاة مسئولياتهم الكبرى مسئوليتهم الخاصة ومسئوليتهم العامة مسئولياتهم كأفراد ومسئوليتهم كجماعة وبالتالي مسئوليتهم الذاتية ومسئوليتهم الحركية فهم أولا ( أمناء ) على أنفسهم ينبغي أن يعدوها على الزمن لتكون في مستوى ما ينتظرها من أعباء { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} وهم كذلك (أوصياء ) على هذا المجتمع برسالة الاستخلاف والتكليف التي ائتمنوا عليها :{وكذلك لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}. من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).


وأنها لمسئوليات ضخمة وكبيرة وتنوء بحملها الجبال وهي لذلك تتطلب كبير الجهد وغالي التضحية .



وحتى يبلغ الداعية في لإعداد مستوى المعركة التي تواجه الإسلام في الداخل والخارج وينبغي أن يكون في (إيمانه )اثبت من الرواسي وفي (فهمه)أعمق من اللجج ...وفي (صبره)أقوى من الشدائد .كما ينبغي أن يتولد شعور (ذاتي)بمسئولية العمل للإسلام واستعداد كامل لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد فهو لا ينتظر (التكليف الحركي)لينهض بالأعباء والمسئوليات ...وإنما يتوالد في (أعماقه)شعور فطري بالمسئولية ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف .....يشعر بأنه مسئول عن (هذا الإسلام)ولو لم يكن عضواً في جماعة أو جندياً في الحركة ...وحسبه أن يكون مسلماً ليتحرك في ذاته الشعور بالواجب تجاه هذا الدين الذي ينتسب إليه والحركة الإسلامية في هذه الأيام بمسيس الحاجة إلى العناصر التي تتقد شعوراً و إحساساًً بواجباتها الإسلامية ...العناصر التي يغلي فيها الشعور بالمسئولية غلياناً...العناصر التي لا يهدأ تفكيرها بهذا الدين وبالعمل له ساعة من ليل أو ساعة من النهار .


هكذا كان شعور الرعيل الأول من المسلمين بمسئولياتهم تجاه الإسلام ...كان شغلهم الشاغل في كل الظروف وفي كل الأحوال ..كان محور حياتهم وتفكيرهم ساعة العسر واليسر ...قال زيد ابن ثابت :بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم (أحد)أطلب سعد ابن الربيع .فقال لي :(إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك يا رسول الله كيف تجدك ؟قال : فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم ...فقلت :يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف تجدك ؟فقال سعد :على رسول السلام .قل له :يا رسول الله أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار :لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف ....وفاضت نفسه من وقته ).



فهو حريصٌ على الإنجاز وتحقيق الأهداف، فهو يعلم أن (الواجبات أكثر من الأوقات)، وأن المرء يخرج من الدنيا ولما يقض ما أمره الله به ويوم القيامة يقول المرء ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ (الفجر:24).


وما من ميتٍ يموت إلا ندم إن كان محسنًا أن لو كان ازداد، وإن كان مسيئًا أن لو كان قد تاب، فالوقت هو الحياة، والحرص على وقت الآخرين هو حرص على حياتهم وتقدير للتبعة والمسئولية، ويرحم الله مرشدنا وأستاذنا مصطفى مشهور يوم أن قدِم من المطار آتيًا من أوروبا على موعدٍ كان قد اتفق عليه قبل سفره بشهر، فجاء ولم يجد أحدًا فقد ظن الشباب أنه قد تأخر ولن يأتي من خارج البلاد من أجل موعدٍ محلي بينهم، وليس بغريبٍ على مَن كان قدوته رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي واعده أعرابي يومًا فذهب النبي- صلى الله عليه وسلم- في الموعد المحدد، وجاء الأعرابي من سفره متأخرًا فقال صلى الله عليه وسلم له: "إني أنتظرك هنا منذ ثلاث".


ثالثًا: الوفاء بالعهد والوعد


يحرص المؤمن على الحضور في موعده والوفاء به، فهو خلق أصيل أمر به القرآن ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة:1)، وقال ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ (الإسراء:34)، والمؤمن ينأى بنفسه عن أخلاق المنافقين، فقد جعل النبي- صلى الله عليه وسلم- آية المنافق ثلاث: "إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان"، والمؤمن إذا قال صدق، وإذا وعد وفَّى، وإذا التزم أدَََََّى.


رابعًا: القدوة وأثرها


يُدرك المؤمن أن التفريط في الانضباط وعدم الحضور في الموعد وعدم الاكتراث بالأوقات يوهن عزائمَ من معه، ويفقده المصداقية أمام الآخرين، ويهدم معنى القدوة في نفوسهم ويعودهم على عدم احترام قيمة الوقت.. وبهذا يُعتبر صاحب هذا الصنيع نموذجًا سلبيًا خلاف ما يدعو إليه من الانضباط والالتزام.


خامسًا: السلوك والمعايشة


يدرك المؤمن أن المؤمن مرآة أخيه، وأن حياة الداعية أشبه بالمرايا العاكسة التي تعكس ما حولها من إيجابيات وسلبيات، فإذا فرط في موعده ولم ينضبط إداريًا في عمله نقلت مرايا المعايشة هذا السلوك بين مجتمع الدعاة، وأضحى التفريط وعدم الالتزام سمتًا وحالاً وسلوكًا.


سادسًا: منهاج التربية في الإسلام


إن الناظر في منهاج التربية في الإسلام يرى أن الله قد فرض على عباده فرائض بالليل لا يقبلها بالنهار وأخرى بالنهار لا يقبلها بالليل، وجعل الصلاة على المؤمنين كتابًا موقوتًا وجعل من شروط صحتها دخولَ الوقت، ومن أسباب ضياعها وقضائها خروج الوقت.


وجعل أفضل الأعمال الصلاة على وقتها، وجعل الأجر الكبير لمن بكَّر وتقدَّم، ودعا الناسَ إلى الاستهام حول الصف الأول إن استووا في الحضور، ولما تأخَّر أناسٌ عن تكبيرة الإحرام وباتوا مسبوقين يستكملون صلاتهم بعد الناس، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محذرًا: "ما بال أقوامٍ يتأخرون حتى يأخرهم الله يوم القيامة".


ليكون تحذيرًا لمَن يتأخرون، مع أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة على أرجح الأقوال، فما بال الذين يتأخرون عن واجبات العمل للإسلام وهو فريضة شرعية وضرورة بشرية.


سابعًا: الوعى بطبيعة المعركة والوعي بحقيقة الطريق


يعيش المؤمن طبيعة المعركة وحقيقة الطريق، وهو يتلو كتاب الله، فيجد عدو الله فرعون يتوجه إلى موسى قائلاً: ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ (طه: 58)، فعدو الله يدعو إلى مواجهة محددة الموعد، ولا تحتمل التخلف، فيرد موسى الواثق بربه: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ (طه: 59)، فإذا احتدمت المواجهة سارع الكفرة إلى التجمع والمناداة وإلى الإنضباط قائلين: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى﴾ (طه: 64)، فلا مكان في المواجهة ومعركة الحق لمن ينسى موعده أو ينام عن واجبه.


وفي ختام موقعة أحد وقف أبوسفيان قائلاً: "موعدنا في قابل" أي العام المقبل، وبعد عام خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة بدر "بدر الموعد"، وانتظر أبا سفيان، ولكن أبا سفيان نكص عن موعده، وعاد أدراجه إلى مكة وخشي المواجهة.


ثامنا :إحياء روح الجدية وهي حالة من التيقظ المستديم وإذكاء روح الحماسة والبذل والعطاء ..
 ورحم الله الامام البنا حيث يقول : المجاهد الذي ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه ويضحك ملء شدقيه ويقضي وقته لاهياً لاعباً عابثاً فهيهات أن يكون من الفائزين أو يكتب في عداد المجاهدين . وقال ابن عقيل رحمه الله يصف طلبة العلم : غلب عليهم الجد وقل عندهم الهزل . ويقول عن نفسه بشكل ينم عن جديته : إنه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن المذاكرة والمناظرة وبصري عن المطالعة أعملت فكري حتى في حال راحتي .


قيل للإمام أحمد : متى يجد العبد طعم الراحة ؟ قال : عند أول قدم يضعها في الجنة . وقال الإمام البنا رحمه الله : أستطيع أن أتصور المجاهد شخص قد أعد عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه ، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدم الاستعداد أبدا ، إن دعي أجاب أو نودي لبى غدوه ورواحه وحديثه وكلامه جده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق