الأربعاء، 10 فبراير 2010



 يا صاحب الرسالة ..  الدكتور خالد أبو شادى (3 )
   2- دينك دينك لحمك ودمك
كان الحسن البصري يقول:
«يا ابن آدم!! دينك دينك فإنه هو لحمك ودمك، إن يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله، فإنها نار لا تطفى، وجرح لا يبرأ، وعذاب لا ينفد أبدا، ونفس لا تموت»( ).
أخي في الدعوة .. ماذا تفعل لو أصابك جرح قاطع أدى إلى نزف مستمر؟! هل تتألم؟! وبعد الألم ماذا يكون إن لم يكن استدعاء الطبيب والهرولة إلى المستشفى قبل أن يؤدي الجرح -ولو كان صغيرا- إلى موتك!!
فهل جسدك أغلى عليك من دينك؟! هل إذا جُرِح دينك بتضييع حدوده وانتهاك حرماته تُسرِع لإغاثته بالعمل له والبذل في سبيله، وتتردَّد على مشافي الدعوة بدلا من التردد على مآتم الأحزان في الزوايا والأركان؟!
هل تنصر دينك بحركة تؤيِّده وسعي حثيث يضمِّد جراحه، وإذا فعلت فهل يكون هذا بروح مضطرمة وعزيمة متقدة أم بتثاقل وبرود!!
نفس ما نطق به الحسن البصري في القرن الثاني الهجري نطق به المودودي في القرن الرابع عشر الهجري، فكلاهما خرج من مشكاة واحدة لأن نسب الإيمان واحد، فقال في تذكرته القيِّمة:
«
إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار مُتَّقدة تكون في ضرامها على الأقل!!! مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضا ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي.
وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ملتحمة مع أرواحكم ودمائكم آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحرِّكوا ساكنا بمجرد أقوالكم».
وهذا لأن شأن الدعوة شأن العلم، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كُلَّك، وبغير هذا لا يكون نتاج ولا حصاد ثمار.
     3 - شدة الهجمة:
يقول الإمام حسن البنا:
«قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة ، قوي سلطانها واستبحر عمرانها ، فينصرف إلى نفسه اكثر مما ينصرف إلى أمته ، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير.
وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية.
وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه، وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، و الخير الآجل من مثوبة الله».
يا غافلا ليس بمغفول عنه..  يا غافلا عن كيد أعداء لا يغفلون عنه لحظة.

أمتنا اليوم تواجه عدوا شرسا.. كشَّر عن أنيابه .. وأظهر ما كان مستورا في فؤاده .. سخَّر طاقاته وثرواته لبلوغ مراده، وتحالف مع أمثاله لتعجيل أهدافه، أيواجه هذا كله بهمم خائرة وعزائم مريضة وتسويف فعال وسط كومة أقوال؟!
ومن هنا حمل صاحب الرسالة همَّ الدعوة التي تتصدى لهؤلاء الأوغاد، لأنه يرى أن السكون إذا هجم العدو خيانة، ولأن المعركة محتدمة ونبض كثير ممن حوله صفر!!
هذه المعركة التي خلَّفت آهات الثكالى، وأنات المعذبين، وأشواق المغيبين في سجون اليهود والظالمين، ورحم الله الإمام البنا حين استشعر هذه التبعة الثقيلة والمهمة المقدَّسة فقال يصف حاله وحال كل حي القلب وافر المروءة:
«ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل، والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء... ولهذا وأمثاله نعمل، ولإصلاح هذا الفساد وقفنا أنفسنا فنتعزى، ونحمد الله على أن جعلنا من الداعين إليه العاملين لدينه».
إخوتاه .. ما أحوجنا اليوم إلى النائحة الثكلى وأغنانا عن أختها المسـتأجرة!
أنت.. نعم أنت!! لكن يجب أن نعترف أن من محاسن هذه الهجمة الشرِسة أنها جعلتنا نفطن إلى سر الانتصار ومعادلة الظفر ومفتاح القفل المحكم المؤدي إلى كشف الغمة .. إنه أنت!! نعم أنت.
يقول الإمام حسن البنا: «إن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ ما ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة . وإني أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته».
فلماذا لا تكون أنت هذا الرجل؟! أنت الأمل المرتقب .. أنت المعجزة الربانية .. فكيف لا تسعى لنيل هذا الشرف وحيازة قصب السبق؟!
إذا قالوا: الأُلى، خِلْنا بأنَّا القصدُ والهدف يسير الناس إن سرنا، وإن قلنا: قِفوا وقفوا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق